قابل للكسر.. فيلم الحارة!

  أستغرب ممن يستغربون من فيلم الحارة، لمجرد أنهم يعيشون في عالم آخر، العالم النهاري البسيط ويشكلون أغلبية الناس، ومع ذلك، فالفيلم لم يتأسس على فراغ، وإلا فمن أين يخرج فارضو الخاوات، وكيف تفاعلت المافياوية لأكثر من مرة لدرجة الوصول إلى اصطدام عنيف مع الأجهزة الأمنية في وضح النهار في أحد أحياء عمان، بجانب قصة الفتى (صالح) في الزرقاء، والتنكيل به بطريقة وحشية شملت فقع العيون وبتر الأطراف؟ 

 

توجد مبالغة، ولكن الدراما تتحمل فكرة المبالغة، لأن المؤلف الدرامي ببساطة يعمل على حكاية، والمؤلف الذي يلتزم خطاً واقعياً يعمل على حكاية معقدة، فهي حكاية حدثت بعض أطرافها بطريقة أو بأخرى، ويمكن أن تحدث في أي وقت لأن عواملها المكونة قائمة، ويمكن أن تتفاعل بصورة مشابهة. 

 

عشت في مصر كثيراً، ولم أدخل في حياتي كباريه، ولكن كنت أشاهد الخارجين من أحد الكباريهات في الثامنة والتاسعة صباحاً وأنا أصل إلى محل عملي في القاهرة، وحضرت أعراساً في الشارع، ولم يكن الناس يؤرجحون أراجيل الحشيش بينهم، ومع ذلك، فأنا أصدق ما تقدمه الدراما، فالنادي الليلي عالم ليس من الضروري أن تدخله، ويكفي أن تتأمل الداخلين والخارجين حسب الوقت، أما الأعراس، وفي بعض الأحياء البعيدة عن السيطرة الأمنية الكثيفة، أي البعيدة عن الخطوط الرئيسية تصبح الصورةمطابقة لما تقدمه السينما، وأحياناً أسوأ كثيراً، كما تنقل بعض التسجيلات المصورة على موقع اليوتيوب. 

 

ما أعنيه أن الكباريه والبلطجي وحياة الليل موجودة، بغض النظر عن مواقفنا الشخصية منها أو حدود معرفتنا بها، وبطبيعة الحال، فلا يوجد ما يجعل فكرة النادي الليلي في الأردن مختلفة عن الدول الأخرى، إلا أن الجريمة المنظمة لم تتمكن إلى اليوم من فرض نفسها على الحياة اليومية، وتكتفي بالهامش الذي تستحوذ عليه في الفضاءات الخاصة والمغلقة. 

 

لا يمكن أن أفرض شروط عالمي الشخصي على الدراما، ولا يمكن مصادرة فكرة أن تقدم الدراما الحدوتة لمجرد أن عالمها لا يتطابق مع عالمنا، وذلك كله أمر غير واقعي وغير مقبول وربما أناني. 

 

على المستوى الفني لم يعجبني الفيلم كثيراً، لأن الحبكة كان يمكن أن تخرج بشكل أفضل، ولكن الفيلم تحيز لنوع من انتصار الخير في النهاية مع شخصية الحلاق الذي تمكن من المحافظة على نقائه النسبي في عالم الحارة المتوحش. 

 

منذر رياحنة قدم أداءً جميلاً وهادئاً من غير الانفعال الذي دفعه له المخرجون المصريون، نادرة عمران كان أداؤها متميزاً أيضاً، ميساء عبد الهادي عبرت دوراً صعباً ومركباً بطريقة تستدعي الإعجاب.. 

الفتاة التي قامت بدور ابنة نادرة عمران أيضاً ممتازة.. 

دور علي وصديقه بهاء الحلاق.. كان يمكن تقديمهما بشكل أفضل.. 

 

يمكن أن يعتبر الحارة فيلماً يحقق اختراقاً أردنياً بين تفضيلات المشاهدين ويخرجنا أخيراً من حارة أبو عواد وتنميطها الاختزالي للشخصية الأردنية بصورة لم يعد لها مكان في عالم جديد لا يمكن أن نظل نتعامل فيه مع مشكلاتنا وطرقنا في معالجتها من خلال عبارة (قابل للكسر)..

أضف تعليقك