طفل غزي في طريقه إلى الله

أبي يا أبي
الموت البهي لا يعيدني للبيت ولحضن أمي، وأنا لم أنسى شيئا من يوم ميلادي لساعة موتي في انفجار بذيء.
لم أنسى متى يولد الطفل في غزة ليموت سريعا بدون ابتهالات وبغير التهاني البريئة.
وأولد لأُقتل كشجيرة حولية تزهر ثم تموت، يقتلها الخارج من ضفاف التوراة، واولئك الذين نسوا المسيح على الصليب يعد قطرات دمه وحيدا.
وأموت يا ابي لأنني فقط أسأل عن صورتي حين أكبر في الشتات، فيقتلني القاتل الاسرائيلي ويعلن في الكون القاتل: أهديته حياة جديدة ليكبر بعيدا عنا في مقبرة.
لا وطن لي يا أبي لأنتمي لقمحه ولو قليلا، ولا هوية لي أرفعها حين يسألني الآخر عن سمائي: من أين جئت والى اين تمضي؟
قلت ببراءة الراعي في الجبال:
ولدت لأحيا قليلا ثم أموت 
ربما احبو
ربما أمشي خطوتي الاولى
ربما انطق اول الكلام في حياتي
ما....با
ولربما تضحك يا ابي فرحا بي
لكنني سأقتل قبل أن تناولني امي زجاجة الحليب
لأن جنديا اراد الحصول على جائزة ليرى حبيبته 
فأهداني للمقبرة
أنا اولد لأموت يا أبي
يقتلني السياسي والعسكري ويقتلني الكون لأنه يكرهني، ويقتلني الغربي والعربي،  ويقتلني الكون كله وكأنني لا ثمن لي.
وباسم الانبياء يقتلون طفولتي
يتركونني على درج الحياة طعمة لنيران كراهيتي، ويتركونني بلا أحلام، او ذكريات، وكما كنتَ أنت أكونٌ،إما طريدا أو قتيلا..
ومثلك يا أبي أكون مثلك، تقتلني الرصاصة ويقتلني الكلام، وتقتلني الأكاذيب..
سأرحل يا أبي، فدفئني قليلا فالبرد بين الحياة والموت قارص لحد الموت، وضمني يا أبي، ضمني قليلا قليلا لأقطع المسافة بين غزة والله مطمئنا كأنني لم اولد بعد..
وسأرحل يا أبي ولا يهمني إن كنتُ متسخا قليلا من غبار الحرب ومن دمي ودم أصدقائي، وكما كنت تقول لي دوما، هناك في الجنة الكثير من الأصدقاء، والكثير من الهواء النقي ، والكثير من الماء والألعاب.
سأفرح حتما يا أبي ففي الجنة ــ كما كنت تقول لي دوما ــ سأصبح طيرا مزركش الالوان، وسأطير من شجرة لشجرة ومن بيت لبيت آمنا هناك بلا أعداء او بنادق، فقط سيكون لي الكثير من الأصدقاء ومدرسة جميلة أذهب اليها، وأياما جميلة لم نتخيلها الا في الاحلام..
هناك يا ابي في الجنة سيكون كل جيراننا من غزة، فقد قيل لي إن نصف سكان الجنة من الفلسطينيين والغزيين..
ويا أبي..
سلم على أمي وإخوتي وأصدقائي الذين ستجدونهم بعدي تحت جدران منزلنا، وقل لهم إني سبقتهم هناك فلا يقلقون علي..
لكن ارجوك يا ابي احتفظ بزجاجة الحليب التي لم أشربها حتى تبقى تذكارا لديك ربما لساعة او يوم او يومين ولا تنسى أن تحضرها لي حين القاك وشيكا..
وداعا يا ابي 
فنحن نولد لنُقتل لنموت..

أضف تعليقك