صحافيون وصحافيات "بدون" في الأردن

 "صحفيون مع وقف التنفيذ" و"من حقي أنتسب"، عناوين حملات أطلقها خريجون من كليات الإعلام الأردنية، للمطالبة بتسهيل انضمامهم للنقابة. تركزت مطالبات الحملتين على إلغاء شروط حيازة الخريج عقد عمل أو كتاب تعيين، ورقم ضمان اجتماعي. شروط تبدو صعبة لمن شقوا طريقهم نحو المهنة بعد التخرج. 

يعرف قانون المطبوعات والنشر الصحفي بأنه "عضو النقابة المسجل في سجلها اتخذ الصحافة مهنة له وفق أحكام قانونها" .

 

تخرج زكريا الحراحشة من كلية الإعلام بجامعة اليرموك عام 2015، وعمل في مواقع إخبارية ومحطات محلية براتب لم يلامس الحد الأدنى للأجور. رغم ذلك لم يكن يحمل لقب "صحفي"، لأنه لم يستطع الحصول على عضوية نقابة الصحفيين. 

أرجع السبب إلى اشتراط النقابة وجود عقد عمل ورقم ضمان اجتماعي لمن يريد الانتساب، وهذا "صعب تحقيقه في بيئة العمل الإعلامي بأغلب المؤسسات الإعلامية تحديدا القطاع الخاص، وهذه كانت أبرز مطالبنا في الحملة بإلغاء هذين البندين غير المنصوص عليهما في القانون أو النظام الداخلي".

أمام ذلك، التحق الحراحشة بحملة "من حقي انتسب" التي تأسست عام 2018. "احنا مش محميين، وبأي وقت ممكن حدا يشتكي علينا ويتهمنا بانتحال صفة صحفي (...) النقابة لسا مسكرة أبوابها في وجوهنا".

 

وفي النتيجة لم تفلح الحملات في تحقيق مطلبه: "رغم  الضغط من قلبنا كطلبة وخريجي كليات إعلام، جاءت وعود النقابة لنا دون المأمول، خصوصا أن النقيب لم يوافق على سماعنا والجلوس معنا (...) كانت هناك وعود لنا بإعادة النظر بالتعليمات المتبعة ولكنها لم تنفذ".

 

وصل عدد الصحفيين المنتسبين للنقابة إلى 1142 ضمن سجل الصحفيين الممارسين. فيما وصل عدد المسجلين  غير الممارسين إلى 300 عضو. ولا تتوفر أرقام عن أعداد الصحفيين غير المسجلين في النقابة.

 

بلغ عدد خريجي كليات الإعلام في الأردن من مختلف الأفرع نحو 4800 خريج وخريجة. جامعة اليرموك وحدها خرّجت في آخر عشر سنوات 2992 طالبا، و359 طالبا تخرجوا في آخر 3 سنوات من جامعة البترا، فيما بلغ العدد الإجمالي لخريجي جامعات الزرقاء، والشرق الأوسط، والعربية المفتوحة والخوارزمي     1475 خريجا وخريجة.

 

التسجيل في النقابة ليس بالأمر السهل بنظر محمود الشرعان، خريج كلية الإعلام في جامعة الزرقاء الخاصة عام 2017. أدرك أن نيل عضوية النقابة بمثابة حماية لأي صحفي. وهنا يستذكر موقفا حصل معه. إذ عُرض على المدعي العام ووجه سؤالا  له ولرئيس تحرير الموقع الذي كان يعمل فيه: "هل انتو صحفيين أم لا؟". يقول: "كان بإمكان المدعي العام اتهامي بانتحال صفة صحفي، خصوصا أن أغلب العاملين في قطاع الصحافة اليوم هم عاملون بعقود، لكن (كتاب التعيين)من شروط الانتساب للنقابة، وأنا لا أملك هذا الكتاب". وأضاف: "المشكلة أيضا في شرط الضمان الاجتماعي، وأنا شو ذنبي  إذا مؤسستي لا تخضعني للضمان".

 

يدافع عضو مجلس نقابة الصحفيين خالد القضاة عن شرط الخضوع للضمان الاجتماعي بقوله: "الشرط لم يرد نصا في القانون، لكنه طبق من أجل التحقق من أن هذا الشخص متفرغ لهذا المهنة، وعمله بمؤسسة صحفية شاملة يعطيه كامل حقوقه من ضمان اجتماعي، وتأمين صحي، وتدرج بالمهنة، فلا يجوز أن يعمل شخص في 2021 دون إشراكه في الضمان". 

ولحين تعديل القانون يشدد القضاة على أن النقابة ملزمة بتطبيق القانون الحالي، وأشار إلى أن الانضمام لهذا الجسم هو فقط "لكل من يمارس المهنة ومتفرغ لها ويعمل بمؤسسة صحفية شاملة، حينها يجوز له التقدم حتى يصبح عضوا في نقابة الصحفيين". 





 

تشترط المادة 5 من قانون نقابة الصحفيين أن المسجل في النقابة يكون  متفرغا لممارسة العمل الصحفي ممارسة فعلية، بالإضافة لحصوله على المؤهلات العلمية: دبلوم، أو بكالوريوس، أو ماجستير أو دكتوراه في تخصص الصحافة والإعلام وأي تخصص آخر.

أي مؤهلات أدنى من ذلك بشرط ممارسته المهنة من 4 إلى 8 سنوات.

 

اعتبر علي الزينات، أستاذ الإعلام في جامعة اليرموك، شروط الانضمام للنقابة تعديا على حق من حقوق طلبة الصحافة والإعلام في ظل الناحية المالية(يقصد المتردية)، وأيضا وضع النقابة الذي ينأى بنفسه عن هموم الخريجين".

أرجع الزينات الذي انضم لعضوية حملة "صحفيون مع وقف التنفيذ" المشكلة إلى وجود من وصفهم "الحرس القديم والتيار المتشدد" داخل النقابة. واعتبر أنهم "يديرون المشهد الإعلامي من دون استيعاب أن الحياة تتطور، وأن الشباب الأكاديمي هم  صناع المستقبل ويعرفون العمل الصحفي".

عند التحدث عن احتضان النقابة  لخريجي كليات الإعلام، فهناك أشياء لا يمكن تجاهلها، بحسب الزينات "تمسك الحكومة والدوائر الحكومية بزمام المشهد الصحفي، لم يقابل برد من قبل الصحفيين بوجه هذه (التغولات) على المؤسسات الإعلامية التي نتجت من ضعف هذه المؤسسات المعتمدة على دعم وتمويل الحكومة من خلال الإعلانات. غابت الحرية الصحفية والقلم الصحفي، والصحفيين الذين يجب أن يكون لهم كلمتهم في هذا المشهد". 

 

في عام 2008 أطلق 33 خريجا/ة  حملة "صحفيون مع وقف التنفيذ". وفي عام 2018 أطلق خريجون آخرون حملة "من حقي انتسب". 

 

النقابة: القانون بحاجة للتعديل

اعتبر عمر  محارمة، عضو مجلس نقابة الصحفيين أن قانون النقابة هو من يعيق انتساب خريجي كليات الإعلام "القانون لا يسمح للخريج بالانتساب لمجرد تخصصه، وإنما يسمح له فقط إذا كان عاملا في الصحافة واشتراطه كتاب تعيين من المؤسسة".  مؤكدا ضرورة إعادة النظر بـ "كتاب التعيين" لأنه حتى "مؤسسات الدولة أصبحت تعمل بنظام العقود". 

لا بد من تعديلات في القانون تتيح منح "شهادة مزاولة مهنة" لخريجي الصحافة والإعلام بعد تسجيلهم في سجل الصحفيين المتدربين، بعد خضوعهم لدورات  تأهيلية لسوق العمل، وعند دخولهم السوق يكتسبون العضوية الكاملة. 

لكن السجل غير مفعل بسبب عدم إقبال خريجي الصحافة والإعلام عليه، وفق محارمة، ويضيف: "النقابة بادرت إلى تعديل القانون وضمنت سجل الخريجين فيه لكنهم (يقصد الخريجين غير راضين عن هذا المستوى من العضوية للانتساب".

 

تشير المادة 6 من قانون نقابة الصحفيين إلى أن التدريب يكون مقبولا إذا تم بالممارسة الفعلية في أي مؤسسة صحفية أو مؤسسة إعلامية رسمية، بالإضافة لتدربه على المهنة في أي معهد متخصص بالصحافة والإعلام داخل المملكة أو خارجها معترف به من الجهات الرسمية. 

 

يختلف رئيس هيئة الإعلام السابق المحامي المختص في قانون المطبوعات والنشر محمد قطيشات مع موقف نقابة الصحفيين بتأكيده على أن "قانون المطبوعات والنشر والنظام الداخلي لنقابة الصحفيين لا يعيقان خريجي الصحافة والإعلام من الانضمام لنقابة الصحفيين". وشدد  على أنه "من حقهم التقديم  للانتساب للنقابة وشروط التقديم  بسيطة، ولا معوقات تشريعية تعيق الانضمام لنقابة الصحفيين".

واعتبر قطيشات أن شرط "الضمان الاجتماعي مسألة تنظيمية ثانوية ولا أرى أنها تشكل عائقا".

وعن المخاطر التي يتعرض لها الصحفيون غير المنتسبين للنقابة، يرى قطيشات أن "القضاء الأردني طبق قانون المطبوعات والنشر على كل مادة صحفية سواء كان صاحبها صحفيا مسجلا أو غير مسجل في نقابة الصحفيين".

وفي الوقت نفسه، قلل قطيشات من تبعات  النص الوارد في قانون المطبوعات والنشر بأن الصحفي فقط هو المسجل في نقابة الصحفيين. وتابع: "منذ ما يقارب 10 سنوات، لم يستخدم أي نقيب للصحفيين هذا النص القانوني، أو اشتكى على أي صحفي من خارج النقابة بتهمة انتحال صفة صحفي". لكن مع ذلك "يبقى هذا الأمر أحد المخاطر بلا شك"، ختم قطيشات.

 

وبين استمرار الحملات المطالبة بتغيير شروط الانتساب، وإقرار النقابة بضرورة تعديل قانونها، يبقى الانتظار خيار "الصحفيين" زكريا الحراحشة ومحمود الشرعان وغيرهما الكثير من الخريجين، لفتح باب النقابة "الموصد" في وجوههم. 













 

أضف تعليقك