دوامة أدوية الأمراض المزمنة تربك المرضى والحكومة

يعاني مرضى معظمهم من كبار السن، من نقص أدويتهم الشهرية التي يصرفونها من المراكز الصحية الحكومية - مشمولين بالتأمين الصحي-، ما يعرضهم الى مضاعفات مرضية ويزيد من الكلف المادية عليهم وعلى ذويهم، بسبب اضطرارهم إلى شراء الادوية غير المتوفرة من صيدليات خاصة على نفقتهم.

لم تعد سعاد* ابنة المريضة أم عمر(68 عاما) تفاجأ من عدم توفر أنواع من أدوية علاج ضغط الدم الموصفة لوالدتها. بسبب النقص المتكرر، حيث اعتادت على رد الصيدلاني في المركز، عدم توفر النوع "س" أو أكثر من العلاجات الشهرية، والطلب منها العودة بعد عدة أيام، لعله يتوفر، فلا تجد خيار أمامها سوى شراء الادوية غير المتوفرة من صيدليات القطاع الخاص وباسعار تعتبرها مناسبة لها، تجنبا لتفاقم مرض والدتها والوقوف في "طوابير" الازدحام الطويلة في المركز.

كذلك يشتكي محمد* لنا من نقص علاج "مميع للدم" نوع (برا داكسا) الموصوف لوالدته بشكل شهري، ويؤكد: إن المراكز الصحية تصرفه على نطاق محدود، ويصل سعره في الصيدليات الخاصة إلى 71 دينارا، و يتطابق مع اثمان الدواء لدى مؤسسة الغذاء والدواء الاردنية، ما يضطره إلى شرائه من تركيا عبر المسافرين لأن ثمنه أقل. وتساءل: هل يستطيع مواطن عادي شراء علاج ثمنه مرتفع وما ذنبه أنه غير موجود؟ .



وبالنسبة لغدير*، فإن معاناة والدتها المريضة ازدادت بعدما حول مستشفى الملك عبد الله المؤسس ملفها إلى المركز الصحي. حيث بدأت الانقطاعات المتكررة في قائمة العلاجات من شهر إلى آخر. وتقول إن أثمان العلاجات لا تتناسب مع ميزانية أسرتها إن فكرت بشرائها من القطاع الخاص.



والحل الذي تطرحه الحكومة بحسب مدير المشتريات والتزويد في وزارة الصحة، ماهر الزيود بمراجعة المريض مديرية الشراء (المخازن الرئيسية) في منطقة ياجوز (شمال العاصمة)، بعدما يختم المركز الصحي على صفة الدواء، ان "العلاج غير متوفر" ويوقعها الطبيب مدير المركز والطبيب المعالج والصيدلاني المختص، ثم يصرف العلاج من المستودعات وفي حال عدم توفره يمنح لا مانع بشرائه من القطاع الخاص على نفقة التأمين الصحي، ما يعني سلسلة بيروقراطية طويلة، يصعب السير بها، وفقا للمرضى وذويهم الذين استمعنا لهم. نظراً لوجود مخازن الادوية التابعة لمديرية الشراء والتزويد في منطقة الرصيفة في محافظة الزرقاء، بعملية حسابية بسيطة فإن تكاليف شراء العلاج على النفقة الخاصة تعادل تكلفة التنقلات.



رافقت معدة التقرير قريبها المريض بالقلب إلى أحد المراكز الطبية الحكومية، التي اعتاد صرف أدويته الشهرية منها. لم تتوفر الأدوية في ذلك اليوم، وهو الأمر الذي يعاني منه كل شهر تقريبا، بحسب المريض طلب منه المركز مراجعة السجل لأخذ دور في عيادات مستشفى البشير، لأن أدويته لحاجة لأن يقرها الطبيب كل ثلاثة أشهر، إضافة إلى أن دواء "BISOPROLOL 5mg" هو دواء رئيسي للقلب خاص بـ توسعة الشرايين القلبية، يجب أن يحصل على وصفة طبيب لكل علبة، لاحتساب جرعة الدواء.

صور أدوية

صور ادوية

صور ادوية

صور ادوية

في مستشفى حكومي رئيسي في العاصمة عمان، وقفنا في طابور طويل بجانب دور آخر مخصص للرجال، وتفاجئنا بتوقف التسجيل والسبب توقف "النظام الإلكتروني"، ثم ذهبنا إلى عيادة القلب و ابلغنا بان دور المريض (36) لدى عيادة طبيب باطني واحد فقط وانتظرنا حتى الساعة الثالثة والنصف، حيث قام الطبيب بختم العلاجات والتوقيع عليها، ثم ذهبنا الى الصيدلية لتسعير العلاج لنتفاجأ بأن الموجود من الأدوية "أسبرين" وعلاج "فومدار" يساعد المعدة على عملية الهضم، أما دواء القلب الرئيسي "plavix"غير متوفر، وان البديل متوفر"بلاتيل"، عندها دار نقاش بين المريض والصيدلاني فحواه أن الطبيب يؤكد على العلاج الاصلي وان العلاج البديل لا يناسبه واظهر المريض لصيدلاني الاثبات، وكرر الصيدلاني ان العلاج لا يتوفر في الصحة وعليك شراؤه من الخارج على نفقتك الخاصة حيث طلب المريض من الصيدلاني توثيق ذلك بالكتابة والختم حيث جرى ذلك وسط طلبات كثيرة من مرضى يصطفون في الدور لصرف علاجاتهم، ثم غادرنا وقام المريض شراء العلاج الأصلي "اجنبي" على نفقة المريض الخاصة بسعر 13 دينار بينما يبلغ سعر البديل"الاردني" 26 دينارا



 إلى ذلك تؤكد عبير*، وهي طبيبة تعمل في وزارة الصحة (فضلت إخفاء هويتها)، وجود نقص في الأدوية الشهرية، ما يضع المريض أمام الاختيار بين الاستمرار في آلية بيروقراطية طويلة ومعقدة، أو شراء الدواء في ذاك الشهر على نفقته الخاصة، وهو ما يزيد من أعباء المرضى الصعبة أصلا. وتعتقد أن سبب نقص الأدوية هو التغيير المستمر للأدوية وشراء أدوية بديلة رخيصة. وتشدد الطبيبة عبير على ضرورة إيجاد وزارة الصحة آلية أخرى للشراء بدلاً من "المطابق الارخص" والانتقال الى "الأجود بالسعر المناسب"، لأننا هنا نتعامل مع مريض.



وتعطي الدكتورة عبير مثالا على النقص المستمر لأدوية مرض السكري من نوع "ترازنكا- ينظم عمل السكر في الدم"، إذ يصرف "دابا غليفلوزين"بديلا عنه، وهناك مرضى لا يرتاحون للدواء الثاني، لأن "طبيعة الاجسام تختلف في تقبل العلاج". وينطبق هذا التشخيص على دواء الضغط "ان هبتر". ونوهت إلى وجوب الاستقرار في العلاج وتوفيره وإيجاد أكثر من خط لإنتاج نفس الدواء تلافيا للنقص.



يقرّ مدير الشراء في وزارة الصحة، ماهر الزيود، بوجود نقص في الأدوية الشهرية في المراكز الصحية بحدود 5 في المئة، لأن الحكومة توفر نحو 95 في المئة من حاجة المرضى الشهرية. ويقر أيضا، بأن الدواء البديل تصل فعاليته نحو 90 في المئة.



وعن عدد أصحاب الأمراض المزمنة الذين يأخذون علاجات شهرية من المنشآت الصحية التابعة لوزارة الصحة، فقد بلغ حوالي مليون ونصف المليون شخص في الأردن، بسحب الزيود. وبحسبة رياضية نجد حوالي 75 ألف مريض سنويا يعانون من نقص في الوصفة الشهرية.



وبلغت كلفة عطاءات الادوية للمؤمنين على نفقة التأمين الصحي، في العام 2021 نحو 70 مليون دينار. وبلغت في العام 2022 نحو 110 مليون دينار أردني، ومرد الزيادة في تكاليف العلاج، دخول مؤمنين جدد بحسب الزيود، الذي أفاد أن آلية شراء الدواء من السوق المحلية، تتم عبر عطاءات يُعلن عنها إلكترونيا، تحال على المنفذ "المطابق والأرخص" وفقا للعطاءات العامة بزيادة مخزون استراتيجي لمدة أربعة أشهر.

icon عدد المشمولين بمظلة التأمين الصحي 3.6 مليون

1.4 مليون من icon الموظفين والمتقاعدين

2.2 مليون مشترك على سجل مرضى المعونة الوطنية والأسر الفقيرة icon والأطفال دون سن السادسة icon والشيوخ فوق 60 عاما.

المصدر مدير التأمين الصحي في وزارة الصحة الدكتور نائل العدوان

من ناحيته يستبعد مدير صحة العاصمة نايف الزبن، أن يشكل نقص الأدوية الشهرية في المراكز الصحية "ظاهرة"، لكنه يقرّ بنقص تزويد الأدوية من المستودعات إلى المراكز والمستشفيات، مثل مساعد السكري أحيانا، مؤكدا توفر العلاج (الأصلي والبديل) في مراكز العاصمة كافة .



ويؤكد نقيب الصيادلة السابق، زيد الكيلاني، وجود نقص في العلاجات الشهرية في الأعوام 2020 - 2021، بسبب تخلف الحكومة عن دفع مستحقات شركات ومستودعات الأدوية المتراكمة على وزارة الصحة، ما انعكس سلبا على المرضى ونقص في العلاجات الشهرية، وهو ما وعدت الحكومة بإيجاد حل منوها إلى أنه لا يمتلك معلومة حول حل المشكلة ام لا.



توجهنا إلى وزارة الصحة، وجاء الرد على لسان مدير الشراء الدكتور ماهر الزيود، الذي قال: "لضمان تلافي أي نقص في الأدوية أو المستلزمات الطبية، فقد تم الايعاز بطلب عطاءات الأدوية لهذه السنة لمدة 16 شهرا بدلا من 12 شهرا، لضمان عدم انقطاع أي علاج أو مستلزم طبي محتمل، وفي حال حدوث أي نقص تقوم مديرية المشتريات والتزويد في وزارة الصحة بشراء هذا العلاج من خلال الشراء المباشر بواسطة لجنة الشراء المحلية داخل الوزارة".



وأضاف: "المخزون الاستراتيجي للأدوية بشكل عام متوفر، ويتم أولاً بأول متابعة المخزون في المستودعات المركزية، وتوفر جميع الأدوية في المستودعات الفرعية في المحافظات، كما يتم متابعة المخزون الدوائي والمستلزمات الطبية كافة، لتجنب أي نقص محتمل".



أحيانا، إذا لم يجد المريض الدواء الذي يحمل الاسم التجاري الذي اعتاد عليه، فمن الممكن أن يقدم شكوى بعدم توفر هذا الدواء. لكن الدكتور الزيود لم يتطرق الى إحصائية الشكاوى.

*شبكة أريج

أضف تعليقك