الرقابة على المواقع الالكترونية: تقنيات البؤس
آخر ما تمخضت عنه عقلية الرقابة في بلادنا هو توجه دائرة المطبوعات والنشر لفرض رقابة على المواقع الالكترونية المحلية.
وبحسب صحيفة "الدستور" (23/9) فإن مساعد مدير عام دائرة المطبوعات والنشر نبيل المومني ابلغها "ان كل المواقع الالكترونية والصحافة الالكترونية أصبحت تخضع لرقابة دائرة المطبوعات والنشر، التي ستقوم بدورها بالإشراف على هذه المواقع ومتابعة التجاوزات التي تصدر عن المواقع المسيئة".
ووفقا للمومني فإن "ديوان التشريع في رئاسة الوزراء قرر بناء على توصية من الدائرة اعتبار المواقع الالكترونية الصحفية، والصحافة الالكترونية بشكل عام تكمل عمل الصحافة المكتوبة، وبالتالي تخضع للتدقيق من دائرة المطبوعات والنشر، والى قانون المطبوعات والنشر".
لم تكن هذه آخر خطوات الحكومة المحلية للتضييق على الاعلام، خلافا لتوجهات الملك عبدالله الثاني، ولخطابها المعلن، فقبل فترة فتحت الحكومة ملف "ضريبة المبيعات" للصحف الاسبوعية وبطريقة مبالغ فيها، ما كان يهدد بإغلاق هذه الصحف، ولا يزال الملف مفتوحا.
ولاحقا، أوقفت الحكومة بث قناة "إية تي في" في اليوم الذي أعلنت فيه القناة انطلاق بثها، فقد تذكرت الحكومة ان اصحاب القناة لم يدفعوا الالتزامات المالية المترتبة عليهم مما فسرها اغلب الناس والمراقبين على انها خطوة مقصودة لوقف بث القناة.
ويبدو ان الزيادة الكمية في عدد المواقع الالكترونية، ونجاحها في استقطاب جمهور متنامي، عكس نفسه في كثرة التعليقات أثار حفيظة الحكومة.
الخطوة هذه وجدت استنكارا من جميع المعنيين بحرية الصحافة والإعلام، وقد سارعت نقابة الصحفيين الى رفضها، وقال نقيب الصحفيين طارق المومني الى صحيفة "الغد" (24/9) بأن النقابة "ترفض أي رقابة على الصحافة الالكترونية لما في ذلك من تقليص لهامش الحريات الصحافية، سيما وأنها تتميز بهامش حرية يفوق الموجود في الصحافة المكتوبة، كما أنها باتت ظاهرة اعلامية تعزز حرية الصحافة".
واعتبر المومني "أن فرض هكذا رقابة على الصحافة الالكترونية تأتي على خلاف ما يطالب به جلالة الملك عبدالله الثاني بحرية سقفها السماء ويتناقض مع توجهات الأردن الإصلاحية، خصوصا وأنها تأتي في وقت ألغى فيه قانون المطبوعات والنشر الرقابة المسبقة على الصحافة المكتوبة".
من الطبيعي القول، ان عملية فرض رقابة على شبكة الانترنت يعتبر من الامور المعقدة تقنيا والمكلفة ماليا، واذا كانت دولة كالمملكة العربية السعودية التي تفرض رقابة مشددة على الشبكة بخاصة على المواقع الاباحية، قد حققت نجاحات في حجب مئات المواقع الا ان رئيس الدائرة الحكومية المتخصصة بالرقابة على الانترنت يعترف بعدم جدوى هذه رقابة، ويقول في تصريحات للصحف ان "دائرته تحقق نجاحًا ملحوظًا في منع دخول المواقع التي تروج مواد جنسية فاضحة على الشبكة الدولية، ولكنه يعترف بأن مواصلة السيطرة على نفاذ مثل هذه المواقع إلى القراء السعوديين هو أمر بالغ الصعوبة بسبب ظهور مواقع جديدة كل ساعة تقريبًا".
يعتقد بعض المعنيين بالصحافة الالكترونية في الاردن، ان الحكومة ودائرة المطبوعات، يدركان مدى تعقيد فرض رقابة على الانترنت ككل، لذلك فان المقصود بالقرار الجديد القديم، هو فرض هذه الرقابة على المواقع المحلية، او "تخويف" القائمين عليها، ومع ذلك فان السيطرة على هذه المواقع واخضاعها لقانون يبقى اكثر تعقيدا، ذلك ان أي شخص بإمكانه اطلاق موقع من خارج الاردن تحت أي اسم وفي أي وقت وخلال دقائق، فهل ستقوم دائرة المطبوعات والنشر بتوظيف عشرات الموظفين للرقابة على عشرات المواقع وعلى مئات وربما الاف التعليقات التي ترد على الاخبار والمقالات، وهل ستبدد الحكومة اموال المواطنين في خنق حرياتهم؟؟
على أي حال، فان خبر الرقابة هذا الذي سارع مدير دائرة المطبوعات والنشر الى التقليل من اهميته بالقول انه ليس جديدا اثار ردود فعل اعلامية اخرى، وقد كتب الدكتور نبيل الشريف، رئيس تحرير الدستور، مقالا (24/9) اعتبر فيه مهمة الرقابة هذه "مهمة مستحيلة"، ويقول الشريف " عن اية مواقع نتحدث؟ هل نتحدث عن المواقع الاخبارية مثل «عمون» و «سرايا» و «رم» و «السوسنة» و«الملف» وغيرها ، ام اننا نتحدث عن المدونات التي يقارب عددها الالف مدونة blog في الاردن. وكيف يمكن فرض القانون على المدونات ، اذ من الممكن ان تنشأ كل يوم عشرات المدونات.. وعملية انشاء مدونة سهلة وهي مجانية في معظم الاحوال ولا تستغرق سوى دقائق. وقد اصبح متاحا لكل متصفح للانترنت ان ينشئ مدونته الخاصة ويبث خواطره وافكاره للعالم اجمع، أم أننا نتحدث عن المواقع الالكترونية على اطلاقها والتي تعود للمؤسسات والشركات؟
ولو فرضنا جدلا اننا قيدنا كل المواقع والمدونات بالقوانين المحلية ، فكيف نمنع شخصا مقيما خارج الاردن من إنشاء موقع اخباري متخصص بالشؤون الاردنية؟ وكيف نخضع هذا الشخص الى قوانيننا المحلية؟".
وترى سوسن زايدة، رئيسة تحرير موقع وراديو عمان نت أن "المستهدف في هذا القرار هو الجمهور الأردني وليس الصحفيين أو وسائل الإعلام. فالرقابة على المواد الصحفية أو الإعلامية ليست جديدة، بما فيها مواقع الإنترنت، فالمواقع الإعلامية التي تغطي الشؤون المحلية لها صحفيين ومراسلين أردنيين يمارسون عملهم من الأردن ويخضعون للرقابة الذاتية ولرقابة وضغوط الجهات الأمنية بشكل غير مباشر".
اخيرا، فان قرار الدائرة هذا اصبح محل اهتمام وسائل الاعلام الخارجية، واحتل مكانا في نشرات اخبار الفضائيات العربية وخاصة قناة العربية في دبي فيما احتل حيزا من الصفحة الاولى لصحيفة الشرق الاوسط، وهكذا فان الاردن الذي كان يشهد له عدم فرض رقابة على الشبكة الدولية اصبح في يوم وليلة ضمن قائمة هذه الدول التي ارهقت نفسها وارهقت موظفيها واهدرت اموال مواطنيها على عمل لا جدوى منه وفيه.











































