ابن الصحافة الورقية..معتقلاً بين ريشة الفنان ومخيلته الساخرة

فن جدلي  عميق أوصل رسائل سياسية وتهكمية مُبطنة على مر العصور، وصرخ في وجه الحكومات بخفة وسلاسة، ندد وجود الإحتلال بريشة ناجي العلي، و سخر من أبرز القضايا الإنسانية بألوان بريئة تسللت إلى قلوب الجماهير قبل عيونهم، فعندما تصمت الشعوب، تلوذ إلى مساحة الإعلام ليذاع ضجيج همومها، وعندما لا تتمكن أحرف الصحافيين وكلماتهم من تسفير معاناة الناس ومناشداتهم، تترنح ريشة رسام الكاريكاتير على "مانشيتات" الصحف ومواقع الأخبار لتوصل نداءهم.

يقول رسام  الكاريكاتير في العربي الجديد وصاحب شخصية "أبو محجوب" عماد حجاج، إن أهم المصاعب التي يواجهها فنان الكاريكاتير هي الرقابة الرسمية ورقابة الأجهزة الأمنية، والتي بإمكانها أن تشكل عوائق تقف بوجه الإبداع الذي يطمح له فنان الكاريكاتير في إيصال رسالته.

ويضيف لـ"عمان.نت" أن "أزمة الصحافة الورقية شكلت عائقاً مميتاً ونقلة نوعية في مصير رسامي الكاريكاتير، فاضطر الكثير منهم من العمل في مهن أخرى وترك مصدر رزقهم، عدا عن حرمان الكثير منهم ممارسة مهنتهم".

ويلفت حجاج إلى أن عدم الإهتمام في قانون الملكية الفكرية في رسم الكاريكاتير هي إحدى الصعوبات التي تعيق عمل رسام الكاريكاتير كونها تمارس من قبل بعض أصحاب الأموال من خلال استخدام الشخصيات الكرتونية للإسترزاق منها بطريقة غير مشروعة، وأن مشكلة الرسم الرقمي من خلال تقنيات التكنولوجيا الحديثة جعلت التنافسية كبيرة في المشهد الإعلامي.

ويعتبر حجاج أن فن الكاريكاتير هو فناً إعلامياً يتسم بسرعة الوصول والنقل، ويعد "ابن الصحافة الوحيد" الناجي من أزمة الصحف الورقية، ويرتبط ارتباط وثيق بالصحافة الورقية ولا ينشق عنها.

ويؤكد أن انتشار التكنولوجيا كان له فوائد كثيرة انعكست إيجاباً على فن الكاريكاتير من خلال سرعة الإنتشار وخلق منصات مستقلة كالصفحات الرسمية والمدونات الشخصية، تثري التفاعلية بين رسام الكاريكاتير والمتلقي، فيستطيع فنان الكاريكاتير من خلال منصات التواصل أن يبث أفكاره ووجهات نظره دون أن تمارس المؤسسات الإعلامية قيودها عليه.

ويلفت حجاج إلى أن "الرسم الرقمي" على برمجيات الرسم الحديثة ساهم في توفير الوقت والجهد على فنان الكاريكاتير، وكسر حدودية الإنتشار في توصيل اللوحة المراد توصيلها، فمنصات التواصل خلقت نوع من التنافسية لم يكن في الصحافة الورقية.

 

ويرى حجاج أن أنواع الرقابة المختلفة حدت من توسيع فضاء رسامي الكاريكاتير، كقوانين الجرائم الإلكترونية ورقابة النشطاء على مواقع التواصل، والرقابة المجتمعية، وتحديات "الترند" التي تهدف لتجميع أكبر عدد من "اللايكات" دون وجود هوية لرسام الكاريكاتير.

وفي الحديث عن تأثير المادة المرئية على عقل المتلقي يوضح رسام الكاريكاتير رأفت الخطيب، حقيقة أن البشر كائنات بصرية تستقبل العالم من حولها بطريقة مرئية أكثر منها سماعياً وكتابياً.

ويشير إلى الأهداف التي يعالجها فن الكاريكاتير في توصيل قضايا المجتمع وصوتهم وهمومهم، وأنه الأداة التي تمكن الفنان من التعبير عن القضايا المحيطة فيه، ويعتبره الصوت الذي يتصل بالشارع وينادي باسم الناس، ولا ينفصل عن الواقع.

ويلفت الخطيب إلى الحكم الذي أطلق على فن الكاريكاتير كفناً ساخراً، أنه بدأ في فرنسا عندما رسم أحد الرسامين أحد القادة الفرنسيين بنوع من السخرية وبطريقة مضحكة.

ويؤكد على سمو فن الكاريكاتير، وأنه أحد الفنون التي تعرض "النكتة السوداء" التي تعرض نكتة معينة بطريقة عميقة تجبر القارئ على التفكر فيها.

ويرى الخطيب أن الكاريكاتير الساخر أبلغ في التعبير من ألف صورة، لأن السخرية فطرية لدى البشر، لذا سيتقبل الجمهور ما يوصل له الرسالة بطريقة مضحكة، وأنه يعتمد على المخيلة وفهم الواقع، والتطرق إلى أفكار تحفز ذهن القارئ.

يصف الرسام الكلاسيكي علي زايد فن الكاريكاتير، على أنه فناً ساخراً من فنون الرسم يقم على تحريف الملامح بهدف السخرية أو النقد، ويمتاز بسهولة توصيل المعلومة للمُشاهد والقارئ على اختلاف ثقافاتهم، من خلال استمالة عواطفهم النفسية.

ويرى أن الرسامين لم يهتموا لفن الكاريكاتير كما أولته الصحافة الورقية اهتماماً، والتي تعتبر الحاضن الرئيسي لهذا الفن، وأن النقد في فن الكاريكاتير يقوم على إيصال رأي آني في قضية ما، يعتبر هادفاً ويوصلُ رسالة لم تتمكن الآف الصور من إيصالها.

ويقول الأستاذ الأكاديمي في التصوير الصحفي في جامعة اليرموك يحيى بني عامر، إن خبراء الفنون والإعلام اختلفوا بأصل علم فن الكاريكاتي، فبعضهم اعتبره أحد أنواع الفنون التشيكيلة كعلم الرسم والتصوير، وآخرون اعتبروه أحد أنواع الصور الفوتوغرافية الصحفية الخطية سواء التي كانت ترسم وتخط يدوياً أو التي ترسم في وقتنا الحاضر من خلال أجهزة إلكترونية متخصصة.

 

 

ويتابع أن الخبراء اتفقوا على أنه فناً ساخراً يجسد مواطن القوة والضعف والإيجابيات والسلبيات في حياة الشعوب اليومية، وأن القوة الكامنة لفن الكاريكاتير تقوم على نقل المعلومات والأخبار عبر الصحف اليومية الورقية أو الإلكترونية أو الإنترنت من خلال تصوير (رسم) الأخبار تسجيلاً دقيقاً بأسلوب موجز ومبسط لجميع القضايا والأحداث على المستوى العالمي ويخاطب الجميع بإختلاف ثقافاتهم ولغاتهم وجنسياتهم.

وعن تأثير فن الكاريكاتير يشير بني عامر، إلى أهمية الأدوات الناقدة التي يقدمها هذا الفن كقدرته على  ممارسة النقد ببلاغة عالية  يصعب على أنواع الفنون الصحفية الأخرى التعبير عنها. 

ويشير إلى أن فن الكاريكاتير أحد أهم أنواع الفنون الصحفية التي تقوم على نقل أخبار العالم بأسلوب تصويري يختلف عن باقي أنواع الفنون الصحفية الأخرى التي تعتمد على الكتابة في نقل الأخبار.

ويؤكد الباحث الأكاديمي القانوني في الجامعة الأردنية عبد الله الزعبي، أن نص المادة (11) من قانون الجرائم الإلكترونية "يعاقب كل من قام قصداً بإرسال أو إعادة إرسال أو نشر بيانات أو معلومات عن طريق الشبكة المعلوماتية أو الموقع الإلكتروني أو أي نظام معلومات تنطوي على ذم أو قدح أو تحقير بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن (100) مائة دينار ولا تزيد على (2000) ألفي دينار".

ويبين أن قوانين الجرائم الإلكترونية، والقوانين التي تخضع لقوانين المطبوعات والنشر تقيد من حرية الصحافيين وتحد من أفق التعبير لديهم في فضاء الإعلام.

أضف تعليقك