آبار مهجورة وعطش متكرر كل صيف

كميات الأمطار الوفيرة شتاءً لا تجد من يستغلها تجنبا للعطش صيفا في بلد يعد ثاني أفقر الدول بالمياه على مستوى العالم. حظيت المملكة بهطول مطري بلغت نسبته الموسم الأخير 79 في المئة عن المعدل السنوي أي(6436,3 مليون متر مكعب)، مع ذلك فإن "صيف 2022 لن يكون آمن مائيا"، يُحذر وزير المياه والري الأردني محمد النجار.

في محاولة لتحقيق الاستفادة من الأمطار، جاء اشتراط نظام الأبنية وتنظيم المدن والقرى (المادة 33/هـ) بتوفير آبار لتجميع مياه الأمطار في كل عمارة تجارية أو سكنية كمتطلب للحصول على رخصة البناء، إلا أن هذا النظام لم يجد طريقه نحو التطبيق الفعلي، واستمرت ظاهرة انقطاع المياه في مناطق مختلفة من المملكة، وتحولت الآبار في أحيان كثيرة إلى تجاويف مهجورة.

 

البنك الدولي:

الأردن من أفقر 10 دول في العالم في مصادر المياه الطبيعية والمتجددة . وبالرغم من ذلك، لا تزال المملكة تفتقر للجهود المنتظمة لتقنين استخدام المياه في المنازل.

 

حصة المواطن الأردني من المياه أقل بـ 88% من خط الفقر المائي العالمي  (يبلغ 1000 متر مكعب من المياه للفرد في السنة). 

"آبار وهمية"

تنفذ أمانة عمان الكبرى -بصفتها المسؤولة عن تطبيق نظام الأبنية وتنظيم المدن والقرى- جولات تفتيشية، للتأكد من تنفيذ الآبار وفقاً للمواصفات المحددة، بحسب بدر الخطيب*، مقاول ومنفذ لشركات إسكانية. 

وتنتهي مهمته عند تسليم البناء وفقاً للشروط المطلوبة للترخيص، أما تشغيل البئر وكيفية الاستفادة منه، فيعود لأصحاب الشقق. وأرجع الخطيب عدم تشغيل الآبار إلى اعتماد المواطنين على الخزانات التي يفضلونها لخصوصيتها، على عكس البئر الذي يستخدم بالشراكة مع كل سكان البناء، وغالباً ما يتعذر الاتفاق على آلية عادلة لاستخدامه فيما بينهم، وفق قوله.

في المقابل، قرر زيد ربابعة*، تشغيل البئر الذي أنشأه في البناية التي يملكها، ليصبح عاملا جاذبا للراغبين بشراء أو استئجار شقق فيها.

اتفق ربايعة مع جيرانه على أن تكون الحصة الأكبر من مياه البئر لساكني الطابق الأول الذين يحتاجون كميات مياه أكبر من غيرهم لري المساحة الخضراء المحيطة بالبناء، ولسكان الطابق الأخير نظراً لضعف وبطء عملية الضخ لخزاناتهم الخاصة.

يرجح ربابعة أن بعض منفذي الانشاءات، ينشؤون آبارا وهمية أي أنهم لا يستكملون بناءها نظراً لتكلفتها المرتفعة، إذ تحتاج إلى خرسانة مسلحة، وكميات كبيرة من الحديد والاسمنت لأغراض العزل ومنع التسريب، والتي تبلغ بمجملها نحو 6 آلاف دينار، فيما لا يتجاوز سعر الخزانات العادية الخمسين دينارا .

"لا نعلم عن وجود البئر"

كشف استبيان أجراه معد التقرير مع 58 شخص، عن أن 74 في المئة من العينة، لا تعلم بوجود آبار لتجميع الأمطار في عماراتهم السكنية. وعن إمكانية استغلال الكميات المهدرة من الأمطار، عبر 79 في المئة عن اعتقادهم بأن هناك فرصة لاستغلالها من خلال الحصاد المائي، أو تنظيف أسطح المنازل وشبكها بمواسير موصولة بالآبار، ومن ثم ترشيح المياه المجمعة واستخدامها لأغراض الشرب، والسقاية، وخاصة في حال انقطاع ضخ المياه في الصيف.

الدكتور الأكاديمي، الخبير في إدارة المياه، ركاد طعاني، رأى أن هناك تقصيرا من الجهات المعنية من ناحية التنسيق بينها، وتدريب وتأهيل موظفيها الجدد، وكذلك في نقص حملات التوعية المائية والإرشاد.

ويعتقد طعاني أن مشكلة المياه في المملكة لم تعد تقتصر على ندرة كمياتها فحسب، بل في نوعيتها، إذا باتت تتدنى وتتحول إلى مياه غير صالحة للاستهلاك المنزلي.

وتبلغ نسبة الأمطار المفقودة بعملية التبخر طويل الأمد حوالي 92.5 في المئة، فيما تشكل التغذية السنوية للمياه الجوفية ما نسبته من 3 إلى 5 في المئة فقط من معدل الأمطار الهاطلة على شكل مياه جوفية متجددة .

وبناء على ذلك، فإن الحاجة باتت ملحة لتفعيل نظام الحصاد المائي من خلال أسطح المنازل، بحسب طعاني.

الحصاد المائي

يعتمد الحصاد المائي على تجميع مياه الأمطار من الأسطح ونقلها إلى خزانات فوق أو تحت الأرض، لاستخدامها للأغراض المنزلية من دون الحاجة للتعقيم أو يكتفى بغليها فقط. 

تقديرات دراسية لكميات تصريف أسطح المنازل في منطقة عمان الكبرى سنة 1997 أظهرت أن معدل مساحة سطح منزل يبلغ 95 مترا مربعا يمكن أن يوفر ما معدله 16 لترا لكل شخص في اليوم الواحد من المياه النقية، وفقاً للطعاني.

ويطالب طعاني بتفعيل القوانين والتعليمات المتعلقة باستغلال الأمطار من أسطح المنازل بطرق علمية صحيحة وبإشراف مختصين وعدم السماح بإنشاء أي عمارة دون الأخذ بالاعتبار تشغيل آبار الجمع.

تتفاوت نسبة الهطول المطري وفقا ً للزمان والمكان، إذ تشهد الفترة ما بين شهري كانون الأول/ ديسمبر وآذار/ مارس حوالي 80 في المئة من الأمطار السنوية، على مساحة المملكة البالغة نحو 92 ألف كيلو متر مربع، بمعدل يزيد عن 8500 مليون متر مكعب من مياه الأمطار.

تقيم رغد صابر* في إربد، ضمن عائلة مكونة من 3 أفراد، كانت تشتري المياه من محطات التنقية، رغم الهطول الكثيف الذي تشهده منطقتها، لكنها بدأت التفكير في طريقة أخرى لتأمين المياه لعائلتها، خصوصاً مع  تحفظاتها على نظافة العبوات ومسألة سوء التخزين.

لم تتردد رغد في شراء خزانيّ مياه بسعة 2000 لتر لكل منهما، ووضعتهما في حديقة المنزل، واستعانت بحرفي "مواسرجي" ليقوم بعمل فتحتين في جدار سطح المنزل، ومد أنابيب إلى الخزانين، وهي بدورها تنظف أرضية سطح بيتها  بداية كل موسم شتاء. 

وتتابع رغد "عندما يحين موعد منخفض عميق والذي يكون غالبا خلال كانون الثاني/ يناير وشباط/ فبراير، أفتح الخزانات لاستقبال المياه، بعد أن أضع على فوهتها مفارش قطنية نظيفة لتصفية المياه. وفي العادة، لا يحتاج امتلاء الخزانات إلا لبضع ساعات،  وخلال أقل من أسبوع تكون المياه قد ركدت في الخزانات، وهي مياه نقية جاهزة للشرب".

 

ماذا عن العقوبات؟

لم تدخر أمانة عمان جهدا للتعريف بتعليمات إنشاء آبار المياه سواء عن طريق الاجتماعات أو عن طريق مناقشتها من خلال المؤتمرات ونقابة المهندسين التي تخص البناء الأخضر والحصاد المائي، بحسب زياد أبو عرابي  مدير الأبنية في أمانة عمان.

وشدد أبو عرابي، على أن الملجأ الأخير لغير الملتزمين بإنشاء واستكمال تشغيل الآبار وتكرار صيانتها، هو العقوبة لصاحب البناء، وهي الغرامة بقيمة 10 في المئة من مجموع رسوم الترخيص، وبحد أدنى 100 دينار. 

لكن، رغم الرقابة، و الغرامة المفروضة، التي تعتبر منخفضة مقارنة بتكاليف إنشاء البئر خاصة مع امكانية تقسيطها وفقاً لما تحدده اللجان المختصة، كما يقول أبو عرابي ، ما زالت العديد من آبار أبنية عمان مهجورة، وسط معاناة السكان من الانقطاعات المتكررة، في انتظار حلول جديّة تبلل جدرانها المنسية بمياه المطر لتخفف من وطأة العطش في الصيف.







 

أضف تعليقك