لاجئون سوريون خارج المخيمات: حياة أصغر من خيمة

عشرات آلاف اللاجئين السوريين يواجهون اليوم أوضاعا معيشية قاسية، بعد أن باتوا مهددين بقطع مساعدات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي عنهم . هؤلاء  جزء من نحو نصف مليون لاجئ مسجلين في المفوضية اختاروا العيش خارج المخيمات في الأردن، على أمل أن يجدوا حياة أكثر استقرارا وأمنا. بعضهم يعاني  أوضاعا صحية بالغة السوء، وبعضهم الآخر مهدد بالطرد من مسكنه. معاناة هؤلاء بدأت بعدم انتظام حصولهم على المساعدات، وانتهت بتوقفها شبه التام بعدما تم تصنيفهم كأسر أقل استحقاقا للمساعدة من قبل المفوضية.

 

(ص.ح 24 عاما) أم لطفلين أنجبتهما في الأردن، وتعيش مع أسرتها في عجلون. تلقّت في منتصف عام 2021  رسالة نصية من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تخبرها أن أسرتها لم تعد مؤهلة للحصول على المساعدات الغذائية. 

تقول( ص.ح): "كنت في السابعة عشرة حين جئت مع زوجي إلى الأردن عام 2014 ، مكثنا في مخيم الزعتري شهر ونصف الشهر، وغادرنا بعدها، لأن المدن أكثر استقراراً والخدمات أفضل بينما المخيم غير مخدّم، والخيم كانت غير آمنة. توجّهنا إلى عجلون وسجّلنا في المفوضية، وفي العام نفسه بدأنا بتسلم  كوبونات غذائية شهرية قيمتها 24 دينارا للشخص الواحد، انخفضت لاحقاً إلى 15 دينار ثم توقفت  تماما في تموز/يوليو عام 2021".

 

لم تحصل (ص.ح )وأسرتها على أي مساعدات أخرى طوال السنوات التي عاشوها في الأردن، باستثناء مساعدات شتوية سنوية تصل تقريباً  260 دينارا، استلموها من المفوضية مرة في العام 2015، ومرة أخرى في العام 2021.  

تعيش (ص.ح) في شقة متواضعة يبلغ إيجارها الشهري 100 دينار، ولديها طفل يبلغ من العمر عام ونصف العام ، وابنة في الصف الأول الابتدائي. تدرس ابنتها في مدرسة حكومية بدون رسوم، لكنها هي من تتكفل بكل مصاريفها الأخرى  دون أن تقدم لها المفوضية أي مساعدة أخرى في هذا الإطار. 

 

تقول :" لا نعرف على أي أساس وجدوا أننا غير مؤهلين للحصول على المساعدة.

 أنا لا أعمل  وليس لدي مؤهل تعليمي عالي، درست حتى المرحلة الثانوية فقط، وجرّبت كثيراً أن أبحث عن عمل مناسب ولم أجد، وزوجي يشتغل في مخبز براتب 260دينار شهرياً يذهب منها 60 دينارا للمواصلات، و100 دينار أخرى أجرة البيت، وما يتبقى من الراتب لا يغطي مصاريفنا، وأغلب احتياجاتنا نشتريها بالدين



 

(ن.م 21 سنة) لاجئة سورية أخرى  دخلت الأردن في العام 2014 مع عائلتها المكوّنة من عشرة أفراد وأقاموا في مخيم الزعتري.لم تتحمل عائلتها العيش في المخيم، بحسب ما تقول، فغادرته  بعد شهر تقريبا، و استقرت في عجلون.

تقول: " في عجلون عائلتنا انقسمت، حيث سكن أخوتي المتزوجون  في بيوت منفصلة. وسجلت أنا وأختي وأمي وأبي في مفوضية شؤون اللاجئين، وحصل كل شخص منا على كوبون بقيمة 15 دينارا بما يصل إلى 60 دينارا شهريا مقدمة للأسرة من برنامج الأغذية العالمي عبر المفوضية. كنا نحصل على هذه الكوبونات بشكل متقطع إلى أن توقّفت تماماً في منتصف العام 2021". في العام 2019 حصلت عائلة (ن.م) على مساعدة مالية شهرية من المفوضية بقيمة 130 دينار، لكنها توقّفت هي الأخرى في العام 2020م.

لم تحصل (ن.م)  على أي مساعدات تتعلق بتعليمها الأساسي والثانوي، وحاولت مواصلة دراستها الجامعية على نفقة أسرتها، لكنها لم تتمكن من دفع كامل الرسوم الجامعية لأكثر من فصل دراسي واحد. على المستوى الصحي تعاني والدة( ن.م) من مرضي الضغط والتصلب اللويحي ويكلفها شراء الدواء شهريا نحو ٨٠ دينارا ، كما يعاني والدها من مرضي الديسك والعصب الوركي، لكنه يمتنع عن شراء أدويته لعدم توفر المال. وبسبب حالته الصحية توقّف عن الذهاب إلى عمله في محل المعدات الصناعية ، حيث كان يتقاضى 250 دينار شهرياً .

الأولوية ل"الأكثر ضعفا"

في حزيران /يونيو 2021 أعلن برنامج الأغذية العالمي أنه "اعتبارا من تموز/يوليو، لن يحصل 21,000 ألف لاجئ سوري في الأردن على المساعدات الغذائية الشهرية، وذلك بعد إعادة ترتيب الأولويات، بسبب نقص التمويل".ويقدم البرنامج مساعدات غذائية على شكل كوبونات نقدية للاجئين السوريين وغير السوريين، وتتلقى العائلات "الضعيفة للغاية" خارج المخيمات (23 دينارًا أردنيًا) لكل شخص شهريًا ، بينما يحصل اللاجئون خارج المخيمات المصنفين على أنهم "ضعفاء" على مساعدة شهرية بقيمة (15 دينارًا أردنيًا) للفرد.

المتحدث باسم البرنامج كارلوس مونوز  أوضح أنه "في يونيو 2021، أجرى البرنامج مراجعة لتحديد اللاجئين الأشد حاجة للمساعدة لشراء الطعام. أخذت هذه المراجعة في الاعتبار التغييرات الإيجابية وكذلك السلبية في الأسرة بما في ذلك تأثير COVID-19 على اعتمادهم على أنفسهم" . وقال:" سمحت لنا هذه المراجعة بإعطاء الأولوية للاجئين الأكثر ضعفاً ، بالنظر إلى التحديات المتزايدة التي يواجهها جمع التمويل، ومن ثم الحاجة إلى ضمان استخدام الأموال المحدودة بأكبر قدر ممكن من المسؤولية. وعملية إعادة الاستهداف هذه تتم بشكل منتظم لضمان وصول المساعدة إلى من هم في أمس الحاجة إليها".

وهو ما يعني أن هذه المراجعات، التي غيرت تصنيف بعض الأسر، قد تسببت بالفعل بقطع المساعدات عن العديد منها.

ويضيف أن "برنامج الأغذية العالمي لديه منهجية واضحة لاستهداف الأسر الأكثر ضعفا. و بناء على البيانات الديموغرافية التي تُطلِعه عليها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في إطار اتفاقية تبادل البيانات بين البرنامج والمفوضية ، يتم  تقديم الدعم على أساس مجموعة العوامل التي حددتها المفوضية لتقييم الأسر الأشد ضعفاً"

لكن البرنامج عاد وأعلن في أيلول/ سبتمبر 2021م عبر موقعه الرسمي عن إيقاف المساعدات الغذائية لشهر تشرين أول /أكتوبر 2021 عن  110,000 آلاف لاجئ خارج المخيمات من أصل 483,000 ألف لاجئ سوري يحصلون عليها. مرجعا السبب إلى النقص الحاد في التمويل. 

 

يقول مونوز :"في أيلول / سبتمبر 2021م  كنا نساعد حوالي 465،000 لاجئ وبسبب نقص التمويل تواصلنا مع أولئك الذين تم تحديدهم على أنهم "ضعفاء إلى حد ما"( ما يقرب من 110،000 آلاف شخص) و أخبرناهم بأننا قد نعلق مساعدتهم. ومع ذلك، تدخلت الحكومة الألمانية وساعدتنا على تجنب إعلان القطع حيث فهموا أهمية هذه المساعدة للاجئين".

وأضاف: "بفضل المساهمة السخية من ألمانيا، تمكن برنامج الأغذية العالمي من تجنب قطع الدعم.".

هموم متراكمة

(أ.ي)  وصل الأراضي الأردنية كلاجئ في العام 2012، مع عائلته المكونة من سبعة أفراد والتي بات عدد أفرادها اليوم 11 فردا، يعيش في إربد منذ ذلك الوقت. أكبر أبنائه في السابعة والعشرين من العمر ويسكن و زوجته وطفليه في المنزل نفسه مع والديه، وبقية أبنائه تتراوح أعمارهم بين الستة أعوام والعشرين عاما.

يقول( ا. ي):"كنا نستلم مساعدة مالية شهرية من المفوضية بقيمة   220 دينارا، وكوبونات غذائية شهرية من برنامج الأغذية العالمي بقيمة 164 دينارا، ومساعدات شتوية سنوية تتراوح قيمتها بين 230 إلى 280 دينارا تدفع لمرة واحدة قبل الشتاء، لكن كل تلك المساعدات توقفت جميعها عام2017. وفي عام 2019 أعادوا لنا الكوبونات الغذائية بقيمة 105 دنانير رغم أننا ١١ فردا ".

 

موظفو المفوضية زاروا منزل( ا. ي ) نهاية العام 2021 م ، وعقب هذه الزيارة صنفت أسرته ضمن  فئة "الأسر الضعيفة"، حيث تأتي في المرتبة الثانية بعد تصنيف الأسر"الأكثر ضعفا"، وبذلك أوقفت المفوضية المساعدة المالية التي تقدمها لها. 

يشير( أ. ي) إلى أنه أطلع المفوضية على وضع أسرته المعيشي الصعب، حيث تراكمت عليه فواتير الماء والكهرباء، وإيجارات ستة أشهر، وتم إبلاغه من خلال محامي العقار بضرورة إخلاء البيت. ويتحدث عن الظروف الصحية التي يعاني منها وأفراد أسرته أيضا، حيث يحتاجون شراء أدوية شهرية بنحو ٦٠ دينارا ، فيقول"أنا مريض بـ الديسك وزوجتي لديها مرض بعضلة القلب، وابني الكبير لديه شظايا رصاصة في ظهره ، والابن الثاني لديه مشاكل في الرئة، والأصغر يعاني من ارتفاع أنزيمات الكبد بالإضافة إلى مشكلة في السمع".

يعمل( أ.ي )في صيانة أفران الغاز، في شهر  قد يحالفه الحظ ويكسب نحو ٤٠٠ دينار، وفي أشهر أخرى قد لا يتلقى أية طلبات للتصليح. أما ولديه فأحدهما يعمل دهّان ليوم ثم يجلس أسابيع طويلة بانتظار فرصة أخرى للعمل، والآخر يعمل بائع خضار بيومية ٧ دنانير بالكاد تغطي مصاريفه الشخصية.

ويختتم( ا. ي) حديثة بكل حسرة:" نحن أسرة مكوّنة من 11 شخصا، أطلعناهم على الفواتير وقرار الإخلاء، وعلينا ديون، لا أعرف ما هو المطلوب لكي يساعدوننا، هل علينا أن نعيش في الخيام أو في الشارع حتى نحصل على المساعدة!" 

تقديم المساعدة بالتناوب 

توجهنا بالسؤال إلى مفوضية شؤون اللاجئين حول مبررات وقف الدعم المالي للاجئين فأكدت لنا الناطقة الرسمية باسم المفوضية ليلي كارليسل أن المفوضية لم توقف المساعدات النقدية الشهرية. وقالت :" تتلقى 33,000 ألف من العائلات اللاجئة "الأكثر ضعفا" مساعدات نقدية، ومع ذلك قد يتم تناوب العائلات على هذه المساعدات، في حال لم يعد بعضها  يستوفي معايير الضعف"، مضيفة أنه "نظرًا لمحدودية الأموال، يمكن للمفوضية تقديم المساعدة النقدية، فقط، للأسر "الأكثر ضعفًا". لكن هناك مجموعة من الخدمات الأخرى التي تقدمها المفوضية لجميع اللاجئين الذين يعيشون في الأردن حسب احتياجاتهم، مثل الخدمات الصحية، والدعم التعليمي".

تحدد المفوضية من هو المؤهل للحصول على المساعدة النقدية الشهرية بناءً على معايير الضعف. وتتمثّل هذه المعايير، بحسب الموقع الرسمي للمفوضية، بالجنس والعمر والمستوى التعليمي لرب الأسرة، وعدد أفراد الأسرة، ووجود أية إعاقة في الأسرة، وعدد المعالين، واعتبارات الحماية.

توضح كارليسل:" تدرك المفوضية أنّ العديد من العائلات اللاجئة تكافح من أجل العثور على منازل لائقة أثناء إقامتهم في الأردن. والمساعدة النقدية هي الآلية الرئيسية التي نستخدمها لدعم عائلات اللاجئين في دفع الإيجار.هناك 80٪ من عائلات اللاجئين الذين يتلقون مساعدات نقدية ويقولون إنهم ينفقون الأموال على الإيجار".

بحسب كارليسل "يوجد حالياً 673،957 لاجئاً سورياً مُسجّلين لدى المفوضية في الأردن، يعيش 542,107 منهم في المناطق الحضرية و131,850 (19٪) يعيشون في مخيمات اللاجئين".

وتقدّم المفوضية لهم مجموعة من الخدمات تشمل" استشارات الحماية، والوصول إلى الوثائق، والمساعدة القانونية، والمساعدة النقدية، والوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم، والتوعية". 

التحديات كبيرة

يرى المفوض العام  في المركز الوطني لحقوق الإنسان علاء العرموطي أن إيقاف الدعم الغذائي عن اللاجئين السوريين خارج المخيمات "سيحرم كثيرين من حقهم في العيش الكريم، كما سيعرض البعض لمواجهة نقص شديد في الغذاء، خاصة مع أزمة ارتفاع الأسعار العالمية".

من جهة أخرى يصف العرموطي وضع اللاجئين السوريين في الأردن بشكل عام بالجيد، ويقول:" المخيمات الآن مثلها مثل أي مدينة أو قرية أردنية، إلا أن اللاجئين السوريين خارج المخيمات يواجهون صعوبات أكثر من اللاجئين داخل المخيمات، حيث التحديات الاقتصادية كبيرة وتوفير السكن خارج المخيم يشكل تحدياً خاصة في ظل التضخم، وغلاء الأسعار الذي يعاني منه الجميع حتى المواطنين(الأردنيين)".

 

أضف تعليقك