نحو وحدة صادقة للمجتمع المسيحي

هل انتهى دور مجلس رؤساء الكنائس في الأردن؟ وما هو سبب صمت المجلس؟

شكّل التخبط الرسمي فيما يخص الاحتفالات بعيد القيامة المجيد استياءاً واسعاً لدى المسيحيين في الأردن. فقد صدرت تقاريرٌ وأخبارٌ متناقضة ومختلفة بعضها قالت أنه يُسمح للمسيحيين 20 دقيقة للصلاة يوم الجمعة العظيمة وأخبارٌ أخرى عن احتفالات يوم السبت بدل الأحد بمناسبة أحد الشعانين، ثم تضاربت المعلومات إذا ما سيسمح بالوصول للكنائس بالسيارات أم فقط مشياً على الأقدام رغم أن غالبية المسيحيين يسكنون مسافات بعيدة عن كنائسهم.

التخبط الذي يجري جاء بالأساس بسبب غياب قيادة موحدة للمسيحيين والازدواجية بين رجال الدين والنواب في من يمثل المجتمع المسيحي. تعود أسباب المشكلة وخلفياتها لأمور ذاتية لدى المسيحيين ولأمور أخرى خارجة عن إرادتهم لها علاقة بالدولة الأردنية وهي غياب المرجع القانوني للمسيحيين في الحكومة الأردنية وتولي سمو الأمير غازي الشأن المسيحي.

منذ سنوات حاولت الدولة الأردنية المساهمة في تنظيم شؤون المسيحيين حيث قامت بإنشاء مجلس سُمي باسم مجلس رؤساء الكنائس. لكن رغم وضع نظام داخلي للمجلس إلّا أنه بقي دون صبغة قانونية حيث لم يتم إصدار تعليمات قانونية للمجلس ولم يُنشر النظام الداخلي في الجريدة الرسمية. ورغم ذلك استمر القائمون على المجلس في محاولات لاحتكار المجلس ورئاسته لكافة الأمور المتعلقة بالمجتمع المسيحي.

وقد كانت الفكرة الأولية أن يتم تناوب رئاسة المجلس كل سنتين بين رؤساء الكنائس التاريخية الثلاث (الروم واللاتين/الكاثوليك والأرمن). إلّا أن فكرة التناوب فشلت بعد أن سيطرت الكنيسة الأرثوذكسية عليه. ورغم تعيين عدد من القساوسة والآباء ذوي الفكر المسكوني والمؤمنين بالعمل المسيحي الوحدوي أمثال القس جون نور والقس لؤي حداد بمنصب أمين عام المجلس، إلّا أن تلك المحاولات فشلت عندما عُين الأب إبراهيم دبور أحد آباء الكنيسة الأرثوذكسية في موقع الأمانة العامة، وبعده تم نقل عمل الأمانة العامة لمطرانية الأرثوذكس في منطقة الصويفية في العاصمة عمان وبذلك اختفى الفصل الهام بين الإطار الرئاسي والإطار التنفيذي لمجلس الرؤساء وأصبح مجلس الرؤساء عبارة عن دائرة من دوائر مطرانية الروم الأرثوذكس.

 ورغم أن المطران الأرثوذكسي خريستوفوروس كان قد وعد زملاءه رؤساء الكنائس الأخرى بالتشاور معهم قبل إصدار أي كتاب يحمل اسم مجلس رؤساء الكنائس إلا أن ذلك لم يحدث مرات عديدة مما وضع رؤساء الكنائس في مواقف حرجة تجاه تلك القرارات المنفردة لمطران الأرثوذكس. 

وزادت الأمور سوءاً عندما أرسل مطران الأرثوذكس في 26/2/2021 كتاباً بترويسة مجلس الكنائس  مليئاً بالتهجم على كنائس مسيحية أردنية معبراً عن " مخاوف كبيرة من التعاليم والأفكار التي تقوم هذه الجهات بنشرها بين أبناء المجتمع المسيحي وهي أفكار غريبة وبعيدة كل البعد عن إيماننا المسيحي وعن الهوية الوطنية للكنيسة المحلية ناهيك عن أن هذه الجماعات لها تمويل وأجندات خارجية غير واضحة وعليها تحفظات من قبلنا." كما وجاء في الكتاب الموجه لرئيس السلطة القضائية مطالبات غير قانونية بأن يتم تحويل كافة قضايا المسيحيين الذين لا توجد لهم محاكم كنسية إلى مجلسه. وقد قام بإصدار الكتاب دون العودة لرؤساء الكنائس. رئيس السلطة القضائية استجاب لطلب المطران ولكن سرعان ما اكتشف أن الطلب غير قانوني وتراجع عنه. ولكن رغم ذلك استمر المطران خريستوفوروس بالعمل ضد أبناء الأردن من المسيحيين بدعوة غير موفقة للقاء مع نواب مجلس الأمة المسيحيين مستثنياً رؤساء أو ممثلي كنائس أعضاء في مجلس رؤساء الكنائس منهم ممثلي اللوثرية والموارنة والأقباط والسريان والأرمن والأسقفية العربية بحجة أنهم لا يحملون رتبة مطران.

 

نائب البطريرك الأرمني في عمان  الارشمندريت أفيديس أبرجيان  وبعد التشاور مع بطاركة في القدس نورهان مانوجيان، الذي أصلاً توترت علاقاته مع رؤساء الكنائس في القدس بسبب عدم دعمهم للأرمن ورفضهم توقيع رسالة تستنكر الحرب في إقليم ناجورنو كاراباخ، أوعز لممثليه عدم حضور جلسات مجلس رؤساء الكنائس.

 

كما وسبَّبَ تفرُّد المطران خريستفوروس عطا الله بقرارات مجلس الكنائس احتجاج طائفة اللاتين والتي قررت التواصل مع أبناء رعيتها دون العودة للمجلس المذكور.

 

وكأي أمر طبيعي، حيثما وجد فراغٌ ما لا بد أن يملأه آخرون. فمع اقتراب احتفالات عيد الفصح المجيد واستمرار عدم الوضوح بالمسموح والممنوع بسبب الأوضاع الصحية، قام العديد من الجهات بملء هذا الفراغ.  بدأ الأمر بقيام المطران وليم الشوملي في 17/4 بإصدار "تعليمات الأسبوع المقدس" ل "الكهنة والأبناء المؤمنين" بصورة مباشرة دون العودة لمجلس رؤساء الكنائس والذي بات صامتاً في الفترة الأخيرة يبدو بسبب الخلافات الداخلية أو من خلال تعليمات عليا إمّا من القدس أو من مكتب سمو الأمير غازي في الديوان الملكي أو من المصدرين.

 

كما بدأ بعض النواب المسيحيين الاجتهاد في محاولة الحصول على موافقات أو توصيات للاحتفال بالأعياد المجيدة. فبادر النائب عن المقعد المسيحي في الزرقاء هايل عياش الذي كان أول من اقترح أن يحتفل المسيحيون كأقرانهم المسلمين مشياً على الأقدام، وتبعه مجموعة من النواب برسالة لرئيس الوزراء في 18/4 للسماح للمسيحيين إقامة قداديس أحد الشعانين والجمعة العظيمة وصلاة عيد الفصح في الكنائس. ورغم الموافقة الرسمية على السماح للمسيحيين كالمسلمين الذهاب إلى كنائسهم يوم الجمعة العظيمة مشياً على الأقدام إلا أن موضوع أحد الشعانين وأحد القيامة بقي غير واضح، الأمر الذي نتج عنه الحديث عبر شبكات التواصل بأنه سيسمح بإقامة الصلوات مع التباعد والإجراءات الصحية. وكون يوم الأحد يوم عادي يسمح التنقل فيه بالسيارات فالموضوع تم حسمه بصورة غير مباشرة.

 

الاقتراح لم يعجب الكثيرين وخاصة مسيحيي عمان المنتشر سكناهم في أطراف العاصمة مما يعني أنهم يحتاجون لاستخدام سياراتهم تقريبا لأي أمر ومنها الذهاب للكنيسة. الأمور بقيت غير واضحة إن كان سيسمح باحتفال أحد الشعانين في الكنيسة أم سيتم ذلك يوم السبت وهل فعلاً سيتم تقليص عدد المشاركين في الاحتفالات الدينية المسيحية بمناسبة عيد القيامة. البعض تبادل الأفكار والأخبار عبر وسائل التواصل ومجموعات الواتساب فيما بقي مجلس رؤساء الكنائس في غياب تام عن الشأن العام، ذلك بالأساس بسبب غياب روح الوحدة المسيحية الحقيقية في الأردن، في الوقت الذي تم تكريم بطريرك الأرثوذكس في القدس في موسكو بجائزة خاصة للوحدة المسيحية.

 

ففي أواخر شهر تشرين أول 2019 حصل بطريرك القدس الأرثوذكسي ثيوفيلوس الثالث على جائزة الوحدة المسيحية من قبل المؤسسة الدولية لوحدة الدول المسيحية الأرثوذكسية. وفي كلمته في الاحتفال الذي جرى في موسكو اقتبس البطريرك من إنجيل يوحنا الآية الوحدوية التالية: "لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا، لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي." 

 

المسيحيون بشكل عام ومسيحيو الأردن بشكل خاص بحاجة ماسة إلى  تلك الوحدة الحقيقية الصادقة.

 

أضف تعليقك