جعجعة ككرة ثلج تتدحرج على صفحات وسائل التواصل

يعود موضوع الحوار على وسائل التواصل الاجتماعي بقوة حين ترتفع وتيرة التايملاين سواء على تويتر او على الفيسبوك على موضوع جدلي. وان كان هدفنا هو الوصول للاستخدام الأمثل لوسائل التواصل الاجتماعي كمساحة للحوار البنّاء وتعزيز احترام الآخر، إضافة لتحفيز التفكير الإبداعي فلا يمكن اغفال موضوع الحوار – القديم الجديد- في كيف ننظر لانفسنا مجتمعيا وطريقة ردود الافعال ان كانت بالفعل تساهم في تعزيز التواصل والتفاهم والتعايش السلمي بين الأفراد.

وان اكون مؤثرا في الحوار، علي أن اعي بالمسؤولية المجتمعية في المساهمة في اصلاح المجتمع. فهدفنا في الاصلاح يتطلب تغييرا كليا في كيفية تنظيم امور مجتمعاتنا بالطريقة الايجابية وفي سلوك تصرفاتنا وسلوكياتنا كافراد ايضا. لهذا، علينا أولًا كأفرادٍ أن نكون مفعمين بحسٍ قويٍ لهدفٍ نبيلٍ في الحياة يضمن رقي الفرد والمجتمع معًا، يركّز على تطوير الفرد من جانبٍ وعلى دوره في تطوير المجتمع من جانبٍ آخرٍ. وعلى المستوى الاجتماعي، يتم تعزيز الرغبة والتعهد لدى الفرد للعمل من أجل رخاء مجتمعه بصورةٍ أعم. حيث أن مبادئ وقيم وسلوكيات الفرد تشكّل البيئة التي يعيش فيها، وبالمقابل تتكون شخصية الفرد عن طريق البيئة الاجتماعية التي يتفاعل معها والأنظمة التي تحكمها. 

وأرجو الا يقصد من كلامي اتهام اطراف بحد ذاتها، فسواء أكنت كتبت تعبيرا معينا على صفحتك الشخصية او كنت كاتبا لتعليقات حول رأي معين، فان جميع الاطراف هنا مسؤولة عن ما يتم كتابته. ويجب مراعاة ضميرنا فيما نكتب، وعليه حين نقرر التعبير عن آرائنا علينا التفكير مليا في أبعاد ما يمكن ان يؤدي اليه ما يكتبه الشخص، وهل سيؤذي مشاعر العامة، كما ينبغي تحري الدقة. وبنفس الوقت، على متلقيي الخبر تحكيم عقولهم في أبعاد ما يتم نشره وتحليل المضمون ليكون متلقي واعي لا تجرفه التيارات المختلفة بدون قصد الى جعجعة يومية ويكون جزء من كرة ثلج تتدحرج من صفحة لأخرى. إذ تجر هذه الوسائل أطرافا من المجتمع إلى موجات من تصنيع الحقد والكره المتبادل الذي قد يتحول الى افعال على الأرض. فوسائل التواصل الاجتماعية ماضية في طريقها لاحداث تغييرات عميقة في العلاقات الإنسانيّة. فشعوب الأرض تتحرك من اتجاهات متباعدة أقرب وأقرب إلى بعضها البعض، نحو ما سيكّون حضارة عالمية مذهلة للغاية في طبيعتها.

أن أول أسس الحوار وقواعده أن نعترف أولاً بمن نريد أن نحاوره. فالحوار لا يعني أن أفرض رأيي على الآخرين وإنما هو وسيلة تبادل وجهات نظر. فالحوار مع المختلف بل هو يقرب وجهات النظر ويجعلنا نلتقي جميعا على ما فيه مصالحنا المشتركة. والسؤال هنا، هل تتحدد معايير الأخلاق باختلاف المكان والزمان لدى نفس الشخص؟ وكيف ينقلب البعض ويبيحون لأنفسهم التطاول على الآخر وتجاوز حدود اللياقة بكل بساطة؟ هل منظومة الأخلاق منظومة وهمية وضعيفة، تنهار عند أول فرصة يجد فيها البعض أنفسهم بعيدين عن الرقابة ومختلفين في الاراء؟ هي اسئلة للتفكر بها لقياس درجة سخونة المواقع في اي موضوع شعبي يطرح للعامة.

إن التعايش الذي نريده، لا يختصر في تقبّل الآخر وعدم الاقصاء، وإنما يتطلب أيضًا أن نرى أبناء مجتمعنا كأعضاءٍ لعائلةٍ أردنية واحدة. وهذا يرسخ الحس المتنامي للمواطنة العالمية، ولكن الوصول إليه قد يأخذ عقودًا من العمل الدؤوب ويحتاج إلى حوارٍ قائمٍ على أساسٍ ودّيٍ بين مستويات المجتمع المختلفة.

ولا تمثل مواقع التواصل الاجتماعي العامل الأساس للتغيير في المجتمع، لكنها اصبحت عامل مهم في تهيئة متطلبات التغيير عن طريق تكوين الوعي, في نظرة الإنسان إلى مجتمعه والعالم. فالمضمون الذي تتوجّه به، لا يؤدي بالضرورة إلى إدراك الحقيقة فقط، بل انه يسهم في تكوين الحقيقة، وحل اشكالياتها.ولكن لكي يحدث التغيير مجتمعاتنا، لا بد من أن يصاحبه تغيير في “الذهنيات والعقليات” وفي البنية الثقافية ككل. 

سنحتاج لأن نسأل أنفسنا ما إذا كانت مساهمتنا ستأخذ عن غير قصد خصائص تلك التقنيات السائدة في المجتمع ، والتي توجه نحو الاتصالات السريعة والفورية للأفكار والرسائل التي يتم التخلص منها بسرعة بمجرد أن يأتي البند التالي. إذا كانت هذه هي الحالة ، فسينتهي بنا المطاف إلى تفتيت المفهوم العميق لواقعنا. 

ولمجرد أن الناس يتحدثون فقط عن مُثلهم ، ولا يجاهدون لوضعها موضع التنفيذ، تبقى في اطار التنظير على وسائل التواصل ، فما إذا اتخذت الإجراءات مكان الكلمات، فإن بؤس العالم سيتحول قريباً إلى راحة. وقد لا نحتاج إلى الحصول على الكثير من المتابعين لنكون جزءًا من التغيير الجماعي. يمكننا المشاركة مع جيراننا واصدقائنا وتنظيم أنفسنا بهدوء والاستفادة من العلاقات التي تشكل جزءًا من حياتنا اليومية. فالأمور قد تصبح غامضة بسرعة عندما نكون مندمجين على وسائل التواصل، لايك أو مشاركة أو "إعادة تغريد" بسيطة تطلقنا في منطقة مجهولة: هل تعزز من مبادئئ مثل العدالة والمساواة، أم أننا نشارك في محادثة مؤذية أو مثيرة للانقسام .

 

أضف تعليقك