الكرك: اعتصامات متكررة ونتائج دون المأمول

اعتصام المتعطلين من الكرك أمام المحافظة، صفحة فيسبوك، تشرين الثاني 2019

بعد يوم من المسير، وصل متعطلو الكرك إلى الديوان الملكي يوم 22 شباط 2019، ثم التقت لجنة ممثلة عنهم برئيس الديوان يوسف العيسوي، ووعدهم بتحقيق مطالبهم بالتوظيف في القطاع الحكومي وفي الشركات الكبرى في محافظة الكرك خلال مدة لا تتجاوز الأسبوعين، وكانوا قد سلموا حينها كشفا يضم 35 اسمًا من المتعطلين المشاركين بالمسيرة إلى إدارة خدمة الجمهور في الديوان.

وبحسب ناصر*، عضو اللجنة الممثلة عن الشباب المتعطلين عن العمل من أبناء الكرك، فقد أخذ المعتصمون بالوعود وعادوا إلى الكرك، وحاولوا خلال الأيام الأولى من عودتهم التواصل مع العيسوي ومدير مكتبه ومدير مكتب خدمة الجمهور، لكنهم دون أي رد، فقرروا بعد مرور 11 يومًا العودة للاعتصام مرة أخرى أمام الديوان.

ويقول ناصر :"مش الكل قدر يرجع، الظروف المادية منعت البعض يرجع"، وبعد ثلاثة أيام تعهد لهم مدير مكتب خدمة الجمهور في الديوان الملكي مرة أخرى بحل المسألة خلال أسبوع، فعلقوا الاعتصام من جديد، إلا أنهم عادوا بعد عدة أيام للاعتصام مرة ثالثة أمام الديوان الملكي لعدم تنفيذ مطالبهم.

بالتزامن مع اليوم الثاني من هذا الاعتصام، كان المعتصمون من أبناء معان يوقعون مع وجهاء من محافظتهم اتفاقية تنهي اعتصامهم، ما أثار استياء بعض المعتصمين من أبناء الكرك بسبب عدم إيلاء مشكلتهم اهتماما أسوة بغيرهم، خاصة مع وجودهم في العراء في طقس شتائيّ غير مستقر.

وفي اليوم الرابع من الاعتصام،  16 آذار 2019، توسّط ديوان أبناء الكرك في عمان، ممثلاً برئيسه زياد الشمايلة، ونقيب الأطباء السابق إبراهيم الطراونة، والنائب عن محافظة الكرك هيثم الزيادين، وأبرموا اتفاقية مع المعتصمين تعهدوا فيها بضمان توفير 40 فرصة عمل، تشمل الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، وأن تدفع مجموعة شركات العون المتطورة مبلغ 200 دينار لمدة ثلاثة أشهر لكل  فرد يرغب بذلك من المسجلين بالكشف المعد من قبل اللجنة الممثلة، والبالغ عددهم 45.

انتهت الأشهر الثلاثة دون توفير أيّ فرصة عمل، بحسب ناصر، فمُددت الاتفاقية شهرًا إضافيا. وأثناء انتظار المتعطلين توفير فرص عمل لهم من قبل الوسطاء، استمروا بالبحث عن عمل يمكّنهم من إعالة أسرهم، كما فعل ناصر، البالغ من العمر 29 عامًا، والحاصل على الدبلوم في الهندسة من جامعة الطفيلة عام 2012، حيث وجد فرصة عمل في شركة "باص عمّان"، ما ألزمه المجيء إلى العاصمة يوميا، إلا أنّ الراتب البالغ 220 دينارا حال دون استمراره، لأنه يُنفق ما يجنيه على أجرة مواصلات النقل العام بين الكرك وعمّان، ما دفعه للعمل في الكرك كعتّال بنظام المياومة، ليستطيع إعالة أفراد عائلته الأربعة، متأملا أن ينجح الوسطاء بتأمين فرص أفضل لهم.

لكن ناصر لم يحظ بتلك الفرصة، إذ انتهت مدة الاتفاقية دون توفير أي فرصة عمل، ما اضطره للتدرّب كفنيّ في إحدى شركات توليد الطاقة الكهربائية، بالحد الأدنى للأجور دون أي ضمانٍ للتوظيف بعد التدريب، مع الاستمرار بالعمل كعتال بعد انتهاء دوامه في الشركة. 

على مدار أربع أشهر، حصل المتعطلون المسجلون في الكشف على المخصصات المالية، لكن عدم توفير فرص العمل دفعهم للاعتصام مجددا أمام ديوان أبناء الكرك في عمان في الأول من آب 2019.

في اليوم الأول للاعتصام التقى أمين عام وزارة العمل فاروق الحديدي بالمعتصمين، وطلب منهم إنهاء الاعتصام وإمهال الوزارة شهرين، إلا أنّ المعتصمين رفضوا واستمروا في اعتصامهم قرابة أسبوع، التقى بهم بعدها وزير العمل حينها، نضال البطاينة، وتعهد لهم بتوفير فرص عمل خلال مدة حددّ نهايتها بـ10 تشرين الأول، شمل هذا التعهد جميع الشباب المتعطلين عن العمل المشاركين في الاعتصام، وأضيفت إليهم أسماء متعطلين آخرين، بحسب عبدالله*، عضو اللجنة الممثلة عن المتعطلين، موضحا: "كان في عرض من وزارة العمل إنه الشباب يشتغلوا في المولات في محلات السيراميك، طبعا رفضناها، شب بده يطلع من الكرك لعمان على راتب 300 دينار بده يستأجر شقة بـ200 دينار، ما رح تكون موفية معهم"، وانتهت المهلة دون توفير أي فرص عمل للمعتصمين.

يقول زياد الشمايلة، رئيس ديوان أبناء الكرك، إنهم وقعوا الاتفاقية دون الحصول على ضمانات من الحكومة، موضحًا: "قابلنا إحنا دولة رئيس الوزراء، وأعطى توجيهاته وتعليماته لمعالي وزير العمل ووزير التنمية السياسية وكان موجود عدة وزراء (..) وقال الرئيس نشوف ونبحث عن مجالات تشغيل عمل لهم". وعن آلية المتابعة مع وزارة العمل يقول الشمايلة إنهم كوسطاء زودوا الوزير بأسماء المتعطلين، وكان بدوره يوجّه المسؤولين في الوزارة بمنح ما توفّر من فرص عمل لهم.

 ويضيف أنّه قد تم إيجاد  فرص عمل لعدد كبيرٍ من المتعطلين ممن شاركوا بالاعتصام في محيط الديوان الملكي، دون تحديد العدد بدقة، ويُرجع عدم حصول البعض على عمل إلى أنّ الفرص المتاحة كانت في عمّان، براتبٍ لن يكفي الحاجات الأساسية للمعيشة، فيرفضها المتعطل، أو لوجود أسباب موجبة لعدم قبول بعضهم بالأجهزة الأمنية والسلك العسكري، كعدم الحصول على موافقة أمنية أو عدم توافر اللياقة الصحية.

وبحسب أعضاء من اللجنة الممثلة عن المتعطلين من الكرك، فقد تم توفير قرابة 15 فرصة عمل فقط خلال الفترة الواقعة بين كانون الأول 2019 وشباط 2020، وجاءت موزعة على شركة الكهرباء الوطنية بعقد لمدة سنة وضمان اجتماعي وتأمين صحي، وبراتب أساسي 272 دينارا، وعلى الأسواق الحرة برواتب أساسية تبلغ 250 دينارا، لكن من حصلوا على فرص العمل هذه يتخوفون من العودة إلى نقطة البداية في حال الاستغناء عن خدماتهم بعد مضيّ عام على تعيينهم. "بقية الشباب متعطلين، والإشي اللي وقف الشباب عن استئناف الاعتصامات هو كورونا"، يقول عبدالله.

في 30 تشرين الأول 2019، بدأت مجموعة جديدة من المتعطلين عن العمل في الكرك اعتصاما مفتوحا أمام مبنى المحافظة، شارك فيه 30 شابا و18 شابة، ويقول عضو اللجنة الممثلة، أحمد عبيسات، إن مطلبهم كان الحصول على وظائف آمنة ولائقة.

في البداية، التقى هاني الشورة، نائب محافظ الكرك، بالمعتصمين وأوضح لهم أن على حملة الشهادات الجامعية انتظار دورهم في ديوان الخدمة المدنية، وطلب من غير حملة الشهادات الجامعية كشفا بأسمائهم لحين توفر فرص عمل. وبعد 12 يوماً التقى محافظ الكرك حينها، جمال الفايز، بالمعتصمين، وأكد على ما قاله الشورة لهم، مضيفا أنّه يجب الحصول على تدريب مهني لمن لا يحمل شهادة جامعية، وسيتم تعيينهم في حال توافرت فرص عمل، وهذا ما رفضه المعتصمون بحسب أعضاء من اللجنة الممثلة عن المتعطلين.

 من جانبه، ينفي الفايز توجيهه لحملة الشهادات الجامعية بانتظار دورهم في ديوان الخدمة المدنية، ويؤكد أنّه نظم اجتماعاً لمدراء الشركات والمصانع في المحافظة بحضور المتعطلين، لكنهم "بدهم يشتغلوا فقط بالشركات الكبرى، في البوتاس والإسمنت والفوسفات، ومعهم حق لأنه رواتبهم مغرية، لكن مدراء هذه الشركات أوضحوا إنه لديهم اكتفاء كلي"، يقول الفايز. مؤكداً أن المتعطلين رفضوا فرص عمل في المدينة الصناعية والشركات الخاصة لأنّ أجورها غير مجزية بالنسبة لهم.

بعد مضيّ 25 يوماً على اعتصامهم أمام مبنى المحافظة، التقت اللجنة بوزير العمل نضال البطاينة مرتين، ووعد -شفويا- خلال اللقاء الثاني بحضور مدراء التشغيل بوزارة العمل، ومدير العمل بالكرك، بتوفير فرص عمل خلال الفترة القادمة دون تحديد مدة زمنية، وتنوعت فرص العمل التي وُعد بها المعتصمون، فبعضها في القطاع الخاص؛ شركات شراء الخدمات والأسواق الحرة وغيرهما، وأخرى في الأجهزة الأمنية، بحسب العبيسات.

"اضطرينا نرضى بالأمر الواقع (..) الفرص كانت لائقة لكن غير آمنة"، يقول العبيسات، فعلقوا اعتصامهم في 26 تشرين الثاني، على أن يتم توفير فرص العمل للمتعطلين المشاركين بالاعتصام خلال الفترة اللاحقة، بحسب الكشف الذي سُلّم للوزارة، وفيه أسماء 48 متعطلا ومتعطلة عن العمل، لكن مكتب وزير العمل طلب مهلًا إضافية لتوفير الفرص في كل مرة كانت تتواصل فيها اللجنة معهم.

وبحسب خليل السميرات، عضو اللجنة الممثلة عن المتعطلين، فإنه حتى مطلع تموز الماضي لم تُوفر فرص عمل إلا لأربعة من المعتصمين أمام المحافظة، ثلاثة عملوا في الأسواق الحرة، والرابع سائقا في شركة خاصة.

ويعتقد مدير المرصد العمالي الأردني، أحمد عوض، أن السبب في عدم وفاء الحكومة بوعودها للمتعطلين هو عدم توفر الحلول لديها، "لو كان عندها حل كان حلته في حينه، لو كان عندها قدرة تعيّنهم في القطاع العام كان عينتهم، لو كانت عندها القدرة تعينهم بالقطاع الخاص في وظائف تتمتع بشروط عمل لائقة كان عينتهم"، يقول عوض.

للاطلاع على اتفاقية الكرك

_______________________________________________________________

* أسماء مستعارة بناء على طلب أصحابها.

أضف تعليقك