تجاوز إلى المحتوى الرئيسي البث المباشر

قصار القامة في الأردن .. عطاء متعطش لاستكمال حلقة الحقوق

09/15/2022 - 11:03

"خصصلي كرسي وطاولة أروحهم معاي واجيبهم  على المدرسة"   قبل عشرين عام،  حدث  لن تنساه نرجس حين سعى  والدها  لتأمينها بمقعد؛   بعد  رفض  المدرسة    قبوله كعهدة ،  لتتحمل  يوميا عبء  حملهما  ذهابا وايابا. 

نرجس  في العقد الرابع من العمر اليوم، مواليد العاصمة عمّان،  عملت بعدة مصانع مأمورة عمال واختيرت لتمكنها القراءة والكتابة، كان هناك من يرفض تشغيلها بحجة  عدم تحمل إصابة العمل، وبعد مضي أربعة سنوات قررت ترك العمل  لطول  ساعاته ، تقول"أنا ما بمشي معي هذا الشغل، لأنه جسمي ما يتحمل، أنا طولي 120 ووزني 20 ما بتحمل ضغط ".

من هنا  توجهت لطرق باب الوظيفة الحكومية،  لتدخل  بعد خمس سنوات من الإنتظار  صحن مجلس  النواب وتطلب  حقها بالوظيفة، وما كان إلا أن أستجيب لها - لتعمل بقسم المخالفات المرورية،  وطاب لها المقام هناك،  بمشاعر فياضة وصفت مقدار احترام  وطيبة زملاءها،  ما جعلها  تذكر المواقف الصعبة بابتسامة ،  كأن يقف أحد المراجعين يبحث عن موظف، لتشير  "هيني انا" ليعتذر ظننا بأنها طفلة.   كأي موظف حصلت نرجس على مقعد  وطاولة تناسبها، إلا  أن المواصلات تشكل عبئا عليها، فلا يناسبها   استقلال الباص العام، ما اضطرها لاستخدام التاكسي .

حال نرجس حال بعض الفتيات من الأشخاص قصار القامة،  عطاء متعطش لاستكمال حلقة الحقوق، ففاطمة  العجلوني  المرتحلة اسبوعيا من محافظة عجلون لعملها في المدن الصناعية بمدينة سحاب تقول    "  أول مشواري دربني صاحب المصنع  الصيني على الخياطة لمدة شهر  وأثبت جدارتي"   بذلك خرجت العجلوني للمجتمع   لتعيل نفسها، هُيأ لها مقعدا مناسبا وطاولة. تحب العجلوني عملها، وباتت تُعلم وتساعد  زميلاتها،  في  بيئة  عمل آمنة كما تصف، تمضي العجلوني  مع العاملات   بجد، لكنها تتساءل عن ثبات  أجرها 17 عاما   على 220 دينار فقط،  إذ تنتج   1500 قطعة بالساعة يوميًا  من السابعة صباحا وحتى الرابعة،، ناهيك عن تكلفة سكن خاص بالأردنيين خارج المصنع؛ لعدم  تكيفها  مع الجنسيات الأخرى في العمل .





 

لا إحصاءات  لعدد قصار القامة

عّرفت منظمة الصحة العالمية الأشخاص  قصار القامة  بمن لا يزيد طول الذكر منهم عن 131 سم أما الأنثى فلا يزيد طولها عن 121 سم، لكن  يفتقد المجلس  الأعلى للأشخاص ذوي الإعاقة إحصائية بأعداد هم  في الأردن   حاليًا، تقول ريزان الكردي مديرة وحدة تكافؤ الفرص في المجلس  " هناك توجه لدى المجلس  لإحصاء الأشخاص ذوي الإعاقة، وفق دراسة  لتطوير واقع العاملين في القطاع الحكومي،  تبنى على أساسها قاعدة بيانات مصنفة، حسب  المحافظة ،الجنس، الحالة، وطبيعة المهنة؛ لتمكينهم من حقوقهم، والتأكد من إلتزام المؤسسات بذلك"

وزارة التنمية الإجتماعية  وكذلك وزارة العمل  لا مصنف  لقصار القامة لديهم، مشيرين لخلو  آخر إحصائية   لدائرة الإحصاءات العامة لعام 2015م، العدد الوحيد الذي استطاعت معدة التقرير الحصول عليه من لؤي الصمادي رئيس  جمعية قصار القامة للثقافة والفنون والرياضة المؤسسة 2017م وتضم  50 عضوا معظمهم حاصلين على  الشهادة الجامعية الأولى، و نشطوا بالمجال الرياضي والمسرحي، يقول الصمادي"  المسجلين رسميا 187 ذكر، و104 بنت في وزارة التنمية بالإحصاءات القديمة" .

 

قصار القامة في التشريع الأردني

نص الدستور الأردني على  تكافؤ الفرص وعلى أساسه  عدلت المادة (6) من الدستور الأردني البند  2 وجاء نصه  "يحمي القانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ويعزز مشاركتهم واندماجهم في مناحي الحياة المختلفة، كما يحمي الأمومة والطفولة والشيخوخة ويرعى النشء ويمنع الإساءة والاستغلال"

وكان الذكر الوحيد لذوي قصار القامة في التشريع الأردني   في نظام رقم (29) لعام 2019م  وهو إعفاء جمركي  مشروط بالمادة (5) البند  "ب"  ألا يتجاوز طول طالب الإعفاء (121) سم للإناث، (131) للذكور، ولا يتوفر لدى دائرة الجمارك  تصنيف للمستفيدين من قصار القامة.

 

إنخفاض نسبة التشغيل

بعد أن دفع المجلس لتعديل نظام اللجان الطبية  وشطب عبارة " غير لائق صحيا للعمل"  - لأن لديهم مؤهلات تتناسب وتوليهم  الوظائف حسب الكردي -  صدر نظام تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة رقم (35) لسنة 2021  إذ ألزم صاحب العمل  توفير الترتيبات التيسيرية والأشكال الميسرة في بيئة العمل بالتفتيش والتحقق من نسبة التشغيل في مكان العمل، وعدم وجود تمييز على أساس الإعاقة، وتنسيق بين وزارة العمل ومركز التدريب المهني.

 والمادة (25 ) لا يجوز استبعاد الشخص ذي الإعاقة  من العمل أو التدريب على أساس الإعاقة أو بسببها، كما وألزمت  المؤسسات حكومية وخاصة بتشغيل 4% من ذوي الإعاقة  في الأماكن التي  لا يقل عدد العاملين فيها عن 25 ولا  يزيد  عن 50 عاملا.

 

بالتنسيق مع وزارة العمل،  شغلت المؤسسات 86  من الذكور و78 من الإناث   لهذا العام، فيما كان عدد الذكور  قبل كورونا 264   و231 اناث، ولقد بلغ المجموع العام لعدد المشتغلين خلال السنوات الأربع الماضية 976 شخص من مختلف  الإعاقات.

بما نسبته   35% من عمّان حتى الشهر،  26% ذكور و11% إناث، فيما  الزرقاء المرتبة الثانية بنسبة 22% وكانت نسبة الإناث أعلى من الذكور بنحو النصف، أما إربد 15% تساوت نسبة العاملين من ذوي الإعاقة  مع نسبة الإناث. نسبة التغير  للأربع سنوات الماضية -67%.  مع ملاحظة زيادة نسبة المشتغلين  الذكور  سنتا كورونا 66%  و61%   فيما  انخفض عدد الإناث  لنصف النسبة.

يرد جمال القاضي الناطق الإعلامي لوزارة العمل    بخصوص انخفاض أعداد المشتغلين لهذا العام والعام 2021م " كانت وزارة العمل تنفذ مشروع مدرب العمل لذوي الإعاقة، والي يستهدف تعيين 200 شخص  على الأقل سنويا"  وأشار  لأثر كورونا بإنخفاض النسبة، أما بالنسبة لهذا العام   لم يكتمل العدد  لتحقيق الهدف، وأن العمل جاري على ذلك.

تقوم وزارة العمل حسب القاضي بزيارات تفتيشية للتحقق من التزام  المنشآت بنسبة 4%، وتمنح مهلة لتصويب الأوضاع، ثم تتخذ مخالفة،  ولدى السؤال عن أعداد المنشآت الملتزمة للأعوام الخمس الماضية،  أشار القاضي بأن الزيارات التفتيشية عشوائية، أو بعد الإبلاغ عن شكوى،   لذا لا تمتلك قاعدة بيانات حول  الأشخاص ذوي الإعاقة وما يشغلون من أعمال، ويعمل حاليا لتطوير إجراءات لتصنيفها  تنشر رسميا بوقتها.

على طاولة المجلس الأعلى

أما دور المجلس حسب ريزان الكردي مديرة وحدة تكافؤ الفرص ، فبدأ  بمتابعة  تعديل نظام الخدمة المدنية المادة(44) لتحيل  من يرشح من ذوي الإعاقة  لشغل وظيفة في القطاع الحكومية إلى   لجنة  تكافؤ الفرص، وحسب المادة(14)  تلزم  الوزارة بتوفير متطلبات  الشخص ليقوم بمهام الوظيفة.





 

ويعمل المجلس على تحدي التفسير النمطي ، فهناك  إعاقة مادية  تتمثل بعدم توفر بنية تحتية مناسبة وتسهيلات في بعض  أماكن العمل، أما التحدي الثاني فهو تحد سلوكي نحو الأشخاص  ذوي الإعاقة، ولقد عملت على التشبيك مع القطاع الخاص للتوعية بأهمية تشغيلهم،  وأصدر المجلس "دليل الأربعين سؤال"  لتدريب  HR   عليه، بدءًا من إعلان الوظيفة، للمقابلة، والالتحاق، والمتابعة لاحقا، ولا ترى الكردي أن ثمة كلفة التسهيلات  المطلوبة في أماكن العمل بالحجم الذي يراه بعض أصحاب المنشآت.













 

حبر على ورق

عملت نرجس ونالت من التعب الكثير  قبل صدور نظام العمل المرن رقم (22)  في الأردن ونشره في الجريدة الرسمية عام 2017م  المادة (3) تقول " كنت لما   اطلب استراحة  أطول  يقول صاحب  المصنع عجبك عجبك، ما عجبك اطلع من المصنع "  أما عن هذا النظام فلقد منح  الأشخاص ذوي الإعاقة مساحة من حرية اختيار العمل المناسب لهم وفق أوقات معينة دون تأثير على ساعات العمل، فإما مكثف لعدة أيام بالأسبوع، أو اختيار سنة مرنة وغيره من خيارات، ويكون ذلك موثق في عقد باسم النظام المرن. 

تبرز أهمية العمل بهذا النظام   لتلافي أخطار  صحية على العاملين ، وفق  ما نشره المركز الكندي للصحة والسلامة المهنية،طول مدة الوقوف يؤدي   لجهد عضلي كبير وألم في الساقين والظهر والرقبة وقد يصاب العامل بالدوالي، أو الروماتيزم نتيجة قفل مفاصل العمود الفقري، وهذا ما نبه له  الدكتور مازن كردية  إستشاري العظام والمفاصل  "الأفضل لقصار القامة فقط  الاعمال المكتبية  حتى أعمال مراقبة العمال يصير عبء عليهم فلاينصح إلا بها".

 لفهم الإطار القانوني  ومدى تحققه لخدمة ذوي الإعاقة  تواصلت معدة التقرير مع المحامي حمادة أبو نجمة رئيس بيت العمال للدراسات   ليوضح  ثلاثة محاور، وهي  العمل المرن ونظام التشغيل وزيادة الأجور، يقول أبو نجمة  "نظام العمل المرن صدر منذ سنوات، ولكن للأسف صيغته ومضمونه غير ملزم أصحاب العمل لاستخدامه وهو مهم لذوي الإعاقة" مشيرا لأنه استخدم على نطاق واسع فترة  الجائحة،   وحسب قوله يصل  شكاوي من ذوي الإعاقة  عن عدم حماس الشركات وحتى القطاع العام لتشغيلهم،  أما الشق الثاني فخلو قانون العمل الأردني من نص يلزم أصحاب العمل بزيادة سنوية،  لا شيء يلزمهم سوى الحد الأدنى للأجور،  إلا إذا وجد نظام خاص  بالزيادة لدى صاحب العمل يلزم  حينها يزيادة الأجور دون تمييز بين العاملين. ولهذا السبب ظلت عمالة  على نطاق واسع تتقاضى منذ سنوات طويلة الحد الأدنى للأجور وفق أبو نجمة.

يطرح أبو نجمة حلول منها دعم لأصحاب العمل لتوفير السبل التيسيرية  من مرافق مناسبة لذوي الإعاقة، لأنها مكلفة، ويرى في  توفير شبكة المواصلات مهيأة  ومنتظمة دورا فاعلا في   خدمتهم، ليقول" ذوي الإعاقة بحاجة إلى تدريب مناسب لطبيعة الوظائف بما يتناسب مع إعاقتهم،  على أن يكون تدريب من أجل التشغيل، فكثير ممن تدربوا  وقفوا على قارعة الطريق بلا عمل".

متطلبات  أخرى لقصار القامة

قرأت على نرجس نصوص القانون   تلك، وسألتها عن متطلبات قصار القامة،  ما التسهيلات البيئية المناسبة لهم لمواصلة أعمالهم، لتقول.

إستمع الآن

يصنف قصار القامة في الأردن ضمن كلمة  " أخرى"  لدى  وزارة العمل، ليضيع الأثر  وما يترتب عليه من الوقوف  على احتياجاتهم، فهل  تسفر السنوات القادمة حالا أفضل ؟!.