في عمّان القديمة.. هل تلتهم شركات "الفرنشايز" المشاريع المحلية؟

خلف جدران شوارع عمان القديمة، وتحديدا في جبل اللويبدة بعد دوار باريس باتجاه شارع كلية الشريعة، تختبىء مشاريع صغيرة تشكل إرث المدينة وحاضرها، محلات أسسها أجداد أصحابها قبل سنوات طويلة. 

 

لكن هذا الإرث، الحاضر حتى الآن في شوارع المدينة، بات مهددا من شراسة الشركات الكبيرة ذات الامتداد العالمي.

 

إذ فوجىء سكان بعض مناطق عمان القديمة (مثل جبل اللويبدة ووسط البلد) منذ مطلع العام الماضي بافتتاح عدة شركات "كبيرة" بين محلاتهم التجارية الصغيرة التي لم يكن لها من ينافسها، تحت مسمى شركات "الفرنشايز"، وهي شركات لديها تميز تجاري توافق فيه على استخدام حق أو أكثر من حقوق الملكية الفكرية تحت العلامة التجارية التي ينتجها أو يستخدمها مانح الامتياز.

 

وكان رد الفعل الأولي بإطلاق حملة "محلي" في الشهر الأول من عام 2020، بهدف الحفاظ على الهوية الثقافية لمدينة عمان القديمة ومنع التغول التجاري الذي يؤثر على الاقتصاد المحلي بشكل مباشر.

 

 ووقع ما يقارب الـ3000 من أهالي جبل اللويبدة ورواده على عريضة، موجهة إلى أمانة عمان الكبرى، يرفضون فيها الترخيص لمقهى "ستاربكس" العالمي والمحلات التجارية "كارفور" ومطعم "ماكدونالدز" ورأوا أن "دخول الشركات العالمية إلى عمّان القديمة يؤثر سلباً على الإبداع والاقتصاد المحلي والهوية الثقافية لعمّان القديمة"، كما جاء في نص العريضة. 

 

أكثر من عام مضى على توقيع العريضة دون أن يحصل فريق الحملة أو أهالي المدينة على رد من أمانة عمان، "تابعنا، وعلى عدة فترات، مع أمانة عمان الكبرى، ولم نحصل على رد واضح وصريح لمطلبنا"، تقول ليندا خوري منسقة الحملة.

 

وتوضح أن فريق الحملة خاطب الأمانة من خلال اللجنة المحلية في منطقة العبدلي، وهي لجنة معنية بمتابعة مشاكل المناطق والأحياء، لكن حل المجالس البلدية، والمجالس المحليّة، ومجلس أمانة عمّان الكبرى في نهاية آذار الماضي، حال دون أن تستمر اللجنة في متابعة مطالب الحملة. 

 

وحاول "المرصد" التواصل مع أمانة عمان، دون أن يحصل على رد. 

 

يعمل في اللويبدة لوحدها ما يقارب 50 محلا تجاريا (مشاريع صغيرة) (بقالات، صيدليات، مكاتب، ملاحم، وغيرها)، تشغل هذه المحلات 120 عاملا وعاملة، يعيلون أكثر من 400 فرد، وفق رصد تقديري أجرته الحملة، وحصل "المرصد" على نتائجها، هذا غير المقاهي والمطاعم، وغيرها من المنشآت التي ستشهد منافسة غير عادلة مع الشركات العالمية. 

 

"مما لا شك فيه أن العلامات التجارية الكبيرة ستوظف عمالا أكثر، وبالتالي تخفف نسب البطالة". 

 

كان هذا نقد تعرضت له الحملة في بداية عملها، خصوصا وأن نسب البطالة بعد جائحة كورونا في ارتفاع مستمر، ردا على ذلك، يقول حسام عايش، الخبير الاقتصادي، إن الشركات الكبيرة أيضا تسبب البطالة، وتحرم الكثير من الشباب من فرص عمل تحقق لهم مصادر دخل مستقلة. 

 

ويلفت إلى أن الدول التي تحاول تفادي الأزمات الاقتصادية، "تشجع مواطنيها على تأسيس مشاريعهم الخاصة، لما له أثر إيجابي على تحقيق مداخيل مالية إضافية للأفراد، والدولة أيضا". 

 

ويرى عايش أن القضية ذات أبعاد مختلفة، ولا ترتبط بالبطالة فقط، ويوضح ذلك بالقول إن الاستمرار في الاستثمار في الشركات الكبيرة فقط، يساهم في تفاقم التفاوت الاجتماعي، ويعطي فرصا للشركات للتوسع على حساب المنشآت الصغيرة وتدميرها.

 

ويدعو هنا إلى ضرورة دعم هذه المنشآت، والتخفيف من العبء الضريبي عليها، وإيجاد نظام محدد لدخول الشركات الكبيرة على المناطق التي تنتشر فيها المشاريع المحلية، خصوصا وأن الاستمرار في التضييق على المنشآت الصغيرة، يطيح بفكرة التنوع الاقتصادي وإتاحة فرص العمل للجميع، الأمر الذي يهدد الأمن والسلم المجتمعيين. 

 

في ذات السياق، ترى لمى الخطيب، من مبادرة ذكرى، (مبادرة تهتم بإبراز المجتمعات المهمشة) أن هذه الشركات تملك آلاف الفروع حول العالم، وهي تشتري المواد الخام بسعر تنافسي قليل جداً مقارنة بالمحلات المحلية، ما يوجِد تنافسية غير عادلة بالسوق، الأمر الذي ينذر بإغلاق المشاريع الصغيرة وتسريح العاملين فيها. 

 

وتقدر القيمة السوقية لأكبر تسع شركات مطاعم ومقاهٍ مجتمعة بـ340 مليار دولار، وفق تقرير السنوي "فوربس" لقائمة "جلوبال 2000" لعام 2018 لأكبر شركات المطاعم على مستوى العالم، وتتصدرها مكدونالدز.

 

وتشير الخطيب، في رد نشر لها على صفحة المبادرة، إلى أنه "عند الشراء من متجر أو مقهى محلي يُعاد استثمار 40% مما تم إنفاقه محلياً، بينما عند الشراء من متجر دولي مثل كارفور أو ستاربكس، يُعاد استثمار 10% محلياً فقط"، وذلك يستدعي من الدولة دعم الاستثمار في الاقتصاد المحلي وحماية المنتجين المحليين.

 

وتلفت الخطيب إلى أن الاستثمار المحلي يُشجع الاعتماد على مصادر محلية للمواد الخام، وبالتالي يوفر فرصا اقتصادية أفضل، ووظائف غير مباشرة أكثر، كما يُقلل من الكُلف والتلوث الناتج عن الشحن والنقل. 

 

إذ تشحن بعض هذه الشركات العالمية، على سبيل المثال المقاهي أو المطاعم العالمية، مواد، مثل العصير والمعجنات واللحوم والدواجن، من أوروبا جاهزة للتقديم، عوضاً عن شرائها أو تحضيرها محلياً. 

 

بحسب دراسة أجراها مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، مطلع عام 2021، فأن عدد الشركات الصغيرة والمتوسطة في الأردن يقدر ب 95% من مجمل الشركات المسجلة، وإنها توفر فرص لما يقدر بنحو 60% من قوة العمل في الأردن". 

 

لكن تخوف حملة "محلي" وغيرها من الناشطين يكمن في القضاء على هذه المشاريع الصغيرة، وأن "يزيد الغني غنى، ويزيد الفقير فقرا". 

أضف تعليقك