الأردن لم تسلَم من مشكلة الجهاديين

الأردن لم تسلَم من مشكلة الجهاديين

أجواء مدينة معان الأردنية تحتدم وتتأجج. فعلى بُعد ثلاث ساعات من العاصمة عمان، تحملك الطرقات الوعرة جنوباً إلى هذه المدينة العشائرية ذات الستين ألف نسمة، مدينةٌ متخلفة وفقيرة اقتصادياً وطالما كانت ساحةً للاحتجاجات المناهضة للحكومة. لكن تململ سكان هذه المنطقة كان مختلفاً في الآونة الأخيرة. ففي حزيران/يونيو الماضي، تزايد عدد المواطنين الذين أطلقوا النار من أسلحة أوتوماتيكية على مركز الشرطة في وسط المدينة إلى حدٍّ دفع السلطات إلى اتخاذ قرار بنقل مقر الشرطة إلى خارج المدينة. وفي الآونة الأخيرة، تنامى انتشار الاشتباكات العنيفة بين أهالي معان ورجال الدرك إلى درجةٍ استلزمت تمركز دبابة على الطريق السريع عند حدود المدينة.

ويُعزى جزءٌ كبير من المشكلة إلى البطالة المستوطنة - التي تقدَّر بنسبة تزيد عن 30 في المائة - وإلى معدل الإجرام والعداوة الشديدة الاستفزاز تجاه الحكومة المركزية. والأسوأ من ذلك هو أن سكان المدينة مدججون بالسلاح، وحين تشتد حدة سوء التفاهم في ما بينهم، يصل الخلاف بانتظام إلى مصافي الاقتتال الضروس بشكل يذكّر العداوة التي كانت محتدمة في الماضي بين عائلتي هاتفيلد وماكوي في أمريكا. ومع ذلك، قد يكون الأمر الأكثر إثارةً للقلق هو النمو غير المسبوق للحركة السلفية الجهادية في معان.

ويقدَّر حالياً عدد الأردنيين الذين يشاركون في الحرب السورية بنحو 2500 شخص، ليشكلوا بذلك أكبر وحدة من المقاتلين السنة الأجانب ضد نظام بشار الأسد الشيعي اسمياً. وفي غضون السنوات الثلاث منذ بدء الحرب في سوريا، قُتل حوالي 250 أردنياً دُفن ما يقرب من أربعة وعشرين منهم في معان؛ وتعكس رايات الأبطال الذين سقطوا في الحرب والتي تكلل المسجد المركزي الكبير في المدينة، مكانة معان كالمقبرة الكبرى للشهداء الأردنيين.

وخلال زيارة قمت بها مؤخراً إلى تلك المنطقة، تحدثت لبعض الوقت مع شاب يدعى فاروق له أخٌ اسمه محمود انضم إلى الجهاد في آذار/مارس من هذا العام. فأخبرني أن محمود كان مهندساً صناعياً ناجحاً يعيش حياة العزوبية في مدينة العقبة المرفئية، ويملك منزلاً ويعمل في صناعة الفوسفات الأردنية. وعلى غرار سائر أفراد العائلة، أدّى محمود فرض الصلاة خمس مرات في اليوم وكان "يكره الشيعة أكثر من اليهود". إلا أنه كان حليق الذقن حين ذهب إلى العقبة ولم يبدِ أي علامات على ميله للقتال الإسلامي. ولكن لم يمض عام على رحيله من معان حتى أطلق محمود لحيته وأصبح "ملتزم" بالسلفية.

وحين اتصل محمود منذ شهرين من سوريا ليخبر ذويه أنه انضم إلى «جبهة النصرة» - ذراع «تنظيم القاعدة» - وأنه يحارب في درعا على مسافة غير بعيدة من الحدود الأردنية، يقول فاروق إن الأمر "كان فاجأة" لهم. فسألت فاروق كيف تلقّى والداه الخبر، وأجاب أنهم شعروا بالحزن من رحيله، ولكن ليس بالغضب. وقال "إذا توفي محمود، سنقيم عرس شهيد بإذن الله". وعلى ضوء حماسته إذا ما استشهد أخيه، سألت فاروق عن السبب الذي يمنعه من الانضمام هو نفسه إلى الجهاد، فردّ قائلاً "لقد فكرت في الأمر، ولكنني متزوج".

وفي حين لم ينضم فاروق إلى القتال، لكن هناك آخرين غيره من أبناء مدينة معان الذين [غادروا إلى سوريا لهذا الهدف]؛ وقد جاء ذلك على ما يبدو بإيعاز من رجال الدين المحليين الذين يدعون إلى الجهاد في سوريا باعتباره "فرض عين". وفي غضون ذلك، يأمل فاروق أن تؤسس «جبهة النصرة» دولةً إسلامية في سوريا بعد سقوط الأسد - وفي الأردن في نهاية المطاف. وأضاف يقول، "العلمانية أمر خطير".

ومن غير الواضح ما هو عدد أبناء المدينة الذين يشاركون فاروق تطلعاته لسوريا والأردن. ويقيناً، قابلتُ عدداً كبيراً من أهالي معان الذين يستخفون ويقللون من شأن ظاهرة الجهاد السلفي. وفي الواقع أن غالبية الأشخاص الذين قابلتهم اعتبروا أن العدد الفعلي للجهاديين السلفيين ضئيل نسبياً وأن مسألة البطالة، والفساد الرسمي، ورد الحكومة القاسي على الاحتجاجات تشكل مصدر قلق أكثر إلحاحاً.

حتى أن بعض سكان معان لمّح إلى أن الحكومة الأردنية تبالغ في حجم التهديد من أجل انتزاع أموال أكثر من الغرب. وسُئلت: لأي سبب آخر يسمح البلاط الملكي لأبو سيف، زعيم الحركة الجهادية السلفية في الأردن والمقيم في معان، بالبقاء حراً طليقاً ينادي من المدينة بالاهتداء دون أي قيود؟

وبطبيعة الحال، أن معان ليست المدينة الأردنية الوحيدة التي شهدت مآتم للجهاديين وتحريضات شعبية في السنوات الأخيرة؛ بيد أنها المثال الأبرز على هذه النزعة. وما وصول قرابة المليون لاجئ من سوريا خلال السنوات الثلاث الماضية سوى شكوى أخرى تضاف حتماً إلى اللائحة المتعاظمة من المظالم الاجتماعية والاقتصادية للأردنيين العاديين. إن المصاعب الاقتصادية والإصابات التي تمنى بها المملكة الأردنية نفسها - مثل القانون الجائر الجديد لمكافحة الإرهاب والقيود التي أسفرت عن قيام مؤسسة "فريدوم هاوس" بتخفيض ترتيب الأردن في مؤشر حرية الصحافة [الذي تصدره]- قد تجعل منها في النهاية بيئة أكثر خصوبة لعمليات التجنيد التي يقوم بها تنظيم «القاعدة».

وفي الوقت الراهن، يعزي المسؤولون الأردنيون الاضطرابات السائدة في معان إلى عنصر إجرامي قائم في معقلٍ عشائري معزول ومتمرد بطبيعته. ويقيناً، إن بسط حكم الدولة في معان لم يخلُ قط من التحديات، لكن إضافة التطرف الإسلامي إلى خليطٍ هو بالأصل مثير للاضطرابات ستزيد من تعقيد الجهود الرامية إلى تهدئة المدينة. وبما أنه ليست هناك نهاية في الأفق للحرب الطائفية الدائرة في سوريا، فقد يميل عدد متزايد من المسلمين السنة الأردنيين - في معان وجميع أنحاء المملكة - إلى الانضمام إلى الجهاد.

وفي الشهر الماضي، زادت المخاوف الغربية بشأن المقاتلين الأجانب بعد أن قام مهاجم انتحاري أمريكي المولد بتفجير نفسه في سوريا كما قام جهادي فرنسي سابق بمهاجمة سياح يهود في بلجيكا. وحيث يسيطر الآن تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») على مساحات شاسعة من الأراضي في هاتين الدولتين، أصبح التشدد السني في الشرق الأوسط مصدر قلق مركزي للغرب وشركائه الإقليميين.

وبالنسبة إلى المملكة الأردنية، وهو النظام الذي يستهدفه تنظيم «القاعدة» منذ زمن بسبب علاقاته الوطيدة مع الولايات المتحدة، بات القتال الإسلامي خطراً وشيكاً يحدق بها أكثر فأكثر. ومع ذلك، فإن مدى نجاح الجهاد السلفي في المملكة سيبقى على الأرجح مجهولاً حتى انتهاء الحرب في سوريا وعودة هؤلاء المقاتلين الأجانب المتمرسين في فن المعارك إلى وطنهم. فإذا تبين أن المشكلة متفشية بقدر ما تبدو عليه اليوم، قد تتمثل الإشارة الأولى على ذلك بارتفاع وتيرة الإرهاب في الأردن.

 * معهد واشنطن

أضف تعليقك