في ذكرى النكبة .. تصاعد جرائم الاحتلال يزيد من إصرار الأجيال على حقهم في العودة

"طفت النار على الطبخة وتركتها على الغاز على أساس أنه شوي وراجعين ظنا بأنها ستعود لتكمل طبختها ولكنها لم تعد"، حيث مرت على هذه الحادثة 76 عاما وأصبح وقعها مؤلما، فهي ليست مجرد حادثة بل واحدة من القصص التي يرويها أجداد الفلسطينيين من ذكريات النكبة والتهجير، والتي تمثل رمزا للمعاناة التي عاشوها بسبب تركهم ديارهم ووطنهم.

ويقول الشاب خليل أحد اللاجئين الفلسطينيين من أحد المخيمات في الأردن، والذي تم تهجير أجداده من مدينة حيفا عام 1948، كيف أن هذه الرواية لا تزال محفورة في ذاكرته، إلى جانب العديد من القصص التي رواها له جده، واصفا ذكرى النكبة بالمؤلمة، فهي تذكر بقيام الاحتلال على أرض فلسطين والتهجير القسري للشعب الفلسطيني وسلب حقوقهم.

يمر هذا اليوم على اللاجئين الفلسطينيين والبالغ عددهم في العالم نحو  14 مليون لاجئا صعبا، حيث تبرز القصص المؤلمة في تفاصيلها، كما هو الحال في مسلسل "التغريبة الفلسطينية" الذي سلط الضوء على لجوء الفلسطينيين عام 48، حيث تترك كل قصة أثرا عميقا، وفقا لخليل.

من بين القصص الأخرى، يروي الشاب أحمد أحد اللاجئين،  قصة جدته التي تبين مدى وحشية الاحتلال الإسرائيلي أثناء النكبة، حيث كانوا ينتقمون ويدمرون القرى بأكملها إذا تبين أن أحد سكانها من المقاومين، وفي إحدى المرات، جاء جيش الاحتلال إلى قرية للتعرف على جثة، وعندما تعرفت الأرملة على الجثة لم تعترف بأنه زوجها كي لا يدمر الاحتلال قريتها.

كما تؤكد الشابة سلمى على أن أهمية التذكير بذكرى النكبة كل عام، يهدف إلى التركيز على كيفية سلب أراضي فلسطين التي تبلغ مساحتها 27 ألف كيلومتر من البحر إلى النهر، وكيف أوهم جيش الاحتلال الناس بأنهم سيخرجون من ديارهم لفترة قصيرة وسيعودون، ولكن، بعد 76 عاما، لم يرجع الذين هجروا من منازلهم وما زال الاحتلال يتوسع.

تعد ذكرى النكبة تذكيرا للفلسطينيين بحقهم في العودة إلى وطنهم فلسطين، كما علمهم ذلك الأجداد الذين تهجروا في تلك الفترة، وإن العودة حق طبيعي يجب أن يتحقق للشعب الذي تهجر من بلاده ليعيش فيه بأمان، بحسب سلمى. 


 

الأجيال لن تنسى

يعتبر نائب رئيس جمعية مناهضة الصهيونية والعنصرية، ركان محمود، بأنه من الطبيعي أن تستذكر الأجيال ما تحدث به اجدادهم عن ذكرى النكبة، وأن يكونوا قريبين من قضيتهم الأساسية والمركزية بشكل مباشر، فهذه القضية ليست قضيتهم الشخصية  بل قضية الأمة العربية بأكملها.

ويرى محمود أنه كلما زادت جرائم الاحتلال الإسرائيلي، يزداد إصرار الأجيال على حقهم في تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وليس فقط  ضمن حدود الـ 67 أو أي مشاريع أخرى.

ويشير إلى أنه لا شك أن هذا الاحتلال يراهن على الزمن، لكن رهانه خاسر، فقد شهدت الأجيال جميع مراحل الاحتلال انتفاضات وثورات من أجيال لم تشهد النكبة والمجازر، ورغم تبدل الأجيال، إلا أنهم لا يزالون يستذكرون ذكرى النكبة.

في عام 1965، انطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة، وفي 1987 اندلعت الانتفاضة الأولى، تلتها الانتفاضة الثانية في عام 2000، و سلسلة الحروب التي تعرض لها قطاع غزة ما قبل عملية طوفان الأقصى.


 

ما يحدث اليوم أكثر ألما 
 

تحل ذكرى النكبة هذا العام بالتزامن مع ارتكاب الاحتلال الإسرائيلي أبشع الجرائم في قطاع غزة منذ السابع من شهر تشرين الأول العام الماضي، أمام صمت مخيب وعجز ملحوظ في تطبيق القوانين الدولية التي تكفل حقوق الإنسان .

ويشبه كثيرون الجرائم الفظيعة التي يرتكبها الاحتلال بجرائم النكبة، حيث يتم تهجير سكان القطاع وتدمير بنيته التحتية، ولعل ما يحدث اليوم أكثر إيلاما مما حدث سابقا، إذ يستمر الاحتلال في عدوانه على سكان القطاع منذ شهور، مما أدى إلى استشهاد آلاف الفلسطينيين في إحدى أكثر المجازر دموية في التاريخ.

ويقول محمود وهو مدير مشروع التاريخ الشفوي للنكبة الفلسطينية أن ذكرى النكبة هذا العام يأتي ونحن نشهد مجازر بشعة نتيجة العدوان الإسرائيلي على القطاع، وما يمر به الشعب الفلسطيني وخاصة في قطاع غزة من أحداث مروعة، ومع ذلك، نواجه صمتا عربيا مريبا وتخاذلا مخيفا من الجانب الرسمي، وإن كان الجانب الشعبي يظهر تضامنا أكبر.

رغم هذه الظروف، يرى محمود بأنه يظل النصر له أشكال متنوعة، منها الصمود وتغيير الرأي العام العالمي، والتأكيد على الرواية الفلسطينية ودحض الرواية الإسرائيلية، وما يحدث في الجامعات الأمريكية من تغيرات في الوعي هو دليل على هذا التحول الكبير.

ويعتبر محمود، أنه يجب إعادة تعريف مصطلح النكبة، فهو بالأصل يطلق على الكوارث الطبيعية، ولكن ما حدث في عام 1948 كان فعلا سياسيا وعسكريا هدفه احتلال فلسطين وتطهيرها عرقيا، وإخلائها من سكانها الأصليين لدعم مجموعات من بلدان مختلفة، بدعم من المستعمر الغربي بريطانيا آنذاك ووريثها الحالي الولايات المتحدة.

وأطلق العرب اسم "النكبة" بعد الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948 وإعلان ديفيد بن غوريون، زعيم الحركة الصهيونية، قيام دولة إسرائيل، ومنذ ذلك الوقت، يحتفل الإسرائيليون بهذا اليوم التاريخي بينما يستذكر الفلسطينيون والعرب مأساتهم التي تمثلت في تهجير الآلاف من مدنهم وقراهم إلى الدول المجاورة، والضفة الغربية وقطاع غزة.


 

 الأرقام تجيب

وفقا لتقديرات جهاز الإحصاء الفلسطيني فإن عدد الفلسطينيين في فلسطين وخارجها تضاعف نحو 10 مرات منذ نكبة عام 1948، مضيفا في بيان "على الرغم من تهجير نحو مليون فلسطيني في العام 1948 وأكثر من 200 ألف فلسطيني بعد حرب يونيو 1967، فقد بلغ عدد الفلسطينيين الإجمالي في العالم 14.63 مليون نسمة في نهاية العام 2023”. 

وبحسب البيان يقيم 5.55 مليون منهم فـي دولة فلسطين، وحوالي 1.75 مليون فلسطيني في أراضي 1948، فيما بلغ عدد الفلسطينيين في الدول العربية حوالي 6.56 مليون فلسطيني، وحوالي 772 ألفا في الدول الأجنبية”.

وتابع الجهاز في بيانه "وبذلك بلغ عدد الفلسطينيين في فلسطين التاريخية حوالي 7.3 مليون فلسطيني في حين يقدر عدد اليهود نحو 7.2 مليون مع نهاية العام 2023، مما يعني أن عدد الفلسطينيين يزيد على عدد اليهود في فلسطين التاريخية"، وفقا لرويترز، "يستغل الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 85% من المساحة الكلية لفلسطين التاريخية"..

و بشأن أعداد القتلى الفلسطينيين في الصراع المستمر مع إسرائيل من 76 عاما، قال البيان “ما يزيد على 134 ألف استشهدوا دفاعا عن الحق الفلسطيني منذ نكبة 1948”. 

أما في قطاع غزة، يبلغ عدد الشهداء نحو 35 ألف شهيد منذ السابع من شهر تشرين الأول العام الماضي، حتى كتابة هذا التقرير، ومن بين شهداء غزة أكثر من 14873 طفلا و9801 امرأة، إلى جانب أكثر من 141 صحفي، فيما يعتبر أكثر من 7000 مواطن في عداد المفقودين معظمهم من النساء والأطفال، وذلك وفقا لسجلات وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة.

أضف تعليقك